آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

الخوف على مستقبل أميركا له مبرراته

 

د. جيمس زغبي ..

تحوّلت التعليقات من تحليل نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى التوقعات بشأن المستقبل، من كيف فاز ترامب؟ إلى ما الذي سيفعله بعد الفوز؟ وعادة يكون من الصعب التنبؤ بما سيفعله أي رئيس جديد، لكن الأمر أكثر صعوبة مع ترامب، وذلك لحقيقة انه ليس من المؤكد أن هذا الرجل يعرف أصلاً ما الذي سيفعله.

 

فإدارة الحكومة تختلف عن إدارة شركة أو حتى إدارة حملة انتخابية، فالمرشح يمكنه أن يقف أمام جمهور الناخبين ويقول ما يحلو له، أو يحلو لذلك الجمهور المحبّ له، أما ممارسة الحكم فتتطلب جهداً جماعياً لفريق من الأفراد الأكفاء والمنسجمين معاً، كما أن تحويل الوعود الانتخابية إلى سياسات عادة ما يتطلب مستويات مضطربة وغامضة.

 

توجّهات الإدارة

 

وقد بدأ يتضح أن الرئيس المنتخب أخذ يخفف من لهجة خطابه، بل يتراجع عن بعض مواقفه التي رددها أثناء حملته الانتخابية، كما هي الحال بالنسبة إلى الجدار مع المكسيك، وإبعاد المهاجرين غير الشرعيين الذي سيقتصر الآن على مليونين إلى 3 ملايين لاجئ ممن لديهم سجلات جنائية، وهو الأمر الذي كان يفعله الرئيس أوباما، كما غيّر ترامب موقفه من مشروع الرعاية الصحية باتجاه إجراء تعديلات عليه بدلا من إلغائه، ويبدو أنه يتخذ موقفاً أكثر حذراً حياله، وقد يسعى إلى تشديد موقفه قليلاً بشأن فرض الاتفاق.

 

والحقيقة أنه أبعد من كونه رئيساً لفريق عادة ما يكون الرئيس أسيراً لفريقه وللعالم.

 

يجب على الرئيس، في المقام الأول، الاعتماد على المعلومات التي يتلقاها من المسؤولين الذين عيّنهم، وعلى قدرتهم على تنفيذ توجيهاته، ولذا من المهم معرفة هوية الأشخاص الذين يعيّنهم ترامب في المناصب الحساسة في إدارته، وفي حين كلنا نعرف أن وجهات نظر الرئيس المنتخب كانت مصممة لكسب تأييد الناخبين ودغدغة عواطفهم، إلا أن التعيينات الأولية لأركان إدارته تشي بتوجيهات هذه الإدارة، خاصة تعيين بعض غلاة الإيديولوجيين، الذي يثير القلق.

 

استعداد للتعاون

 

العنصر الثاني الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار هو الحقائق السياسية والاجتماعية التي هيأت المناخ لهذا الرئيس الجديد، وبينما يضع الرؤساء عادة، أجندات لإداراتهم، إلا أن الحكم على الرؤساء ليس وفقاً لتحقيق هذه الأجندة، بل لاستجابتهم للأجندات التي يضعها العالم لهم.

 

ولنتذكر أجندة أوباما الشرق أوسطية، التي أعلن عنها في مستهل إدارته في خطاب القاهرة، والتي تعذّر تنفيذها بسبب الكونغرس والتعنّت الإسرائيلي والعواقب غير المتوقعة ل‍ـــ «الربيع العربي».

 

وفي حين ألمح الرئيس أوباما إلى رغبته في التعاون مع روسيا لإنهاء النزاع في سوريا، فإن نجاحه يعتمد على تعاون الكونغرس، الذي أعلن بعض أعضائه الجمهوريين أنهم لن يؤيدوه، وعلى ما إذا كانت مصالح روسيا ستلتقي مع المصالح الأميركية، وعلى ما إذا سمحت إيران لروسيا بالسيطرة على أجندتها، وعلى ما إذا كانت القوى الإقليمية كتركيا والمملكة العربية السعودية وغيرهما، ستبدي استعدادها للتعاون.

 

مصلحة البشرية!

 

وعلى صعيد الصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني، فهناك مواقف متعددة للرئيس ترامب؛ ففي البداية، قال إنه سيتخذ موقف الحياد والتفاوض لإنهاء الصراع، ثم أثار التساؤلات حول المساعدات الأميركية لإسرائيل، ثم أعلن انه لن ينحاز في موضوع القدس، ثم اتخذ موقفاً مؤيداً لإسرائيل في مؤتمر إيباك، وأعلن معارضته لقيام «دولة فلسطين الإرهابية»، ودعا إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وأعرب عدد من مستشاريه مؤخراً عن اعتقادهم بأن «الاستيطان لا يشكل عقبة في طريق السلام».

وأخيراً، أعرب ترامب في مقابلة تلفزيونية عن نيته إنهاء الصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني «من أجل مصلحة البشرية».

 

ولكن المتطرفين الإسرائيليين أخذوا دفعة قوية من فوز ترامب، وبدأوا في اتخاذ خطوات لتعزيز الاستيطان وإضفاء الطابع الشرعي على البؤر الاستيطانية. ولذلك، فإذا كانت لدى الرئيس المنتخب نية للعودة إلى مواقفه الحيادية، فإن طاقمه المتطرف من مسؤولين ومستشارين وقوى سياسية في أميركا وإسرائيل، لن يجعل ذلك بالأمر السهل عليه.

 

وباختصار، لا أحد يمكنه أن يكون واثقاً مما سيُقدم عليه ترامب بشأن القضايا المهمة، أو ما بوسعه أن يفعله، ويبدو الأمر مختلطاً ومثيراً للقلق.

والمثير للقلق على المستوى المحلي، بعض التعيينات وما توحي به من توجهات سياسية، مثل مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين وكبير مستشاري البيت الأبيض ستيف بانون والنائب العام جيف سيشنز، وكلها أسماء تدعونا إلى الخوف على الحريات المدنية في الولايات المتحدة.

لقد تراجع ترامب عن تعهده بحظر دخول المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، ولكن مع تعيين بانون الذي يعتبر ان الولايات المتحدة تقود التحالف اليهودي ــــ المسيحي ضد الشرق، وفلين الذي يرى أن «الإسلام ما هو إلا إيديولوجية سياسية تتخفى وراء الدين، ويستخدم الدين لمصالحه»، وسيشنز الذي أظهر ازدراءه للحقوق المدنية ومواقفه المناهضة للإسلام خلال ولايته في مجلس الشيوخ، فإن المرء يخشى أن يعمل مثل هؤلاء على تقوية أسوأ نوازع زعيمهم. وربما نكون على بُعد حادث إرهابي واحد حتى تشهد الولايات المتحدة موجة غير مسبوقة من القمع.

 

وفي النهاية، فإن أحداً لا يعرف ما الذي سيفعله ترامب، وما نعرفه فقط أن هذا الرجل يمثل حالة متفردة من الرؤساء في البيت الأبيض، بيد أن اختياراته لمناصب رئيسية في الإدارة حتى الآن، تعطي المبرر الكافي للخوف على مستقبل أميركا.

 

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2016/11/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد