آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد عبد الله محمد
عن الكاتب :
كاتب بحريني

هل سيغادرنا الأميركيون؟ لنتهيأ!

 

محمد عبدالله محمد ..

خلال هذا الشهر لا أعتقد أن هناك أهمّ مما قاله جنرال أميركي قبل أيام. فالأدميرال هاري هاريس رئيس القيادة الأميركية في المحيط الهادي، تحدّث في معهد لوي للأبحاث في سيدني (أهم مدينة اقتصادية وثقافية بأستراليا) قائلاً: «تقارير ابتعاد أميركا عن الهند وآسيا والمحيط الهادئ قد بُولِغ فيها كثيراً». ثم أضاف عبارته الأهم من كل ذلك: «هذه المنطقة (وأشار إلى الشرق الأقصى) هي الأكثر أهمية لمستقبل أميركا»!

 

كان هاريس يتحدّث في إطار الخلاف المستعر بين بلاده والصين، بشأن بحر الصين الجنوبي. وعندما نقول بحر الصين الجنوبي، فيجب أن نستذكر أن مساحة مياهه تصل إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون كيلومتر. وأن ستة عشر بلداً آسيوياً معنيون به، وأن ستة بحار تتأثر به بشكل مباشر فضلاً عن المحيطَيْن الهادئ والهندي. لذلك يمر في جزء منه قرابة خمسة آلاف مليار دولار من التجارة الدولية.

 

هذا الأمر يجعلنا نلتفت إلى حقيقة المفاضلة التي تقوم بها واشنطن بين عدة مناطق في العالم، كي تعزِّز مستقبلها في واحدةٍ منها بشكل أساس متقدمةً على غيرها من حيث الأولوية. لذلك، بات من المؤكد أن هناك «تسللاً» أميركياً من الخليج العربي ولو بشكل جزئي نحو الشرق الأقصي الذي بات المنطقة «الأكثر أهمية لمستقبل أميركا» حسب هاريس. وما يؤكِّد هذا الأمر ليس التصريحات فقط، بل مصاديقها على الأرض كذلك، وهي الأهم.

 

فالقوات الأميركية بدأت تنتشر في 48 جزيرة فيتنامية اصطناعية، وثماني جزر فلبينية، وخمس جزر ماليزية، وواحدة في تايوان. هذا التواجد المكثف هدفه تعزيز مستقبل أميركا الجديد هناك بالتعاون مع حلفائها، حيث اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وبقية الدول الأخرى لضمان مياه بحر الصين، ومضيق مالقا وخليج البنغال وبقية الممرات المهمّة التي تشكل عمود التجارة الدولية.

 

وقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية في ترتيب تحالفات في تلك المنطقة (قد تتطوّر لتصبح مثل تحالفاتها التقليدية مع اليابان وكوريا الجنوبية). فبات ما يُعرَف بالتحالف الرباعي الجُزُري لكل من فيتنام وماليزيا وتايوان والفلبين، على رغم التوتر الحاصل مع الأخيرة، إلاّ أن الجيش هناك ما يزال خاضعاً لنفوذ أميركي.

 

كما ضَغَطَ الأميركيون على استراليا (المتحالفون معها منذ 65 عاماً) بهدف هَزّ المنطقة الرمادية في علاقاتها المزدوجة مع واشنطن وبكين، التي تشكّل أكبر شريك تجاري معها. وعلى رغم من مقاومة استراليا للانضمام إلى الدوريات البحرية المشتركة مع القوات الأميركية الهادفة إلى إثبات أن المياه مفتوحة أمام حركة التجارة الدولية، إلاَّ أن رئيس الوزراء الاسترالي مالكوم تيرنبول حثَّ «الصين على الالتزام بالقوانين الدولية التي تُنظم حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي».

 

أما الصين، التي تخشى من تمدد أميركي في جوارها البري والبحري كما فعلوا مع الروس في أوكرانيا وعموم شرق أوروبا وعند البلطيق، فقد قامت بعمل استباقي وفي غضون سنة ونصف، حيث هيمنت على ألفي آكر في بحرها الجنوبي لتطويق أرخبيل سبراتليز (410 آلاف كيلومتر مربع). كما قامت بكين بإجراء مناورات مع موسكو هي الأولى التي تجري في ذلك البحر، إذ كان من أهدافها المعلنة هي «عمليات استيلاء على جزر» في رسالة واضحة للتحالف الرباعي وأميركا.

 

كل هذه المصاديق على الأرض تصنع حقائق أمامنا نحن في منطقة الخليج العربي، وهو أن الولايات المتحدة بدأت تبحث عن منطقة نفوذ أكثر أهمية بالنسبة لها من منطقتنا التي جاءتها خلال أربعينيات القرن الماضي بترتيبٍ مع الانجليز. ليس ذلك فحسب، بل إنها تريد أن تعيد منظومة الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأقصى بطريقة أكثر تماسكاً مما قامت وتقوم به في منطقتنا مع ظهور التطرف، خصوصاً مع جود قوتين عظميين في تلك المنطقة وهي الصين والهند ومعهما اليابان.

 

فقد قال الأدميرال هاريس بأن «المتطرفين» سيبدأون العودة إلى بلدانهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعد أن قاتلوا في الشرق الأوسط، عارضاً مساعدة واشنطن في مكافحتهم حسب الـ «نيويورك تايمز». وبما أن هذه التنظيمات تعمل بشكل أممي، فإن الأكيد بأن المنطقة العربية ستكون داخلةً ضمن ما تريد أن تفعله الولايات المتحدة ضد تلك التنظيمات لضمان الاستقرار في الشرق الأقصى، وهو ما يجعلهم أن يضعوا سياسات جديدة من جانب واحد تشمل منطقتنا حتماً.

 

والأميركيون عوّدوا العالم أنهم لا يحترمون أيّاً من الدول بما فيها الحليفة، ولا يقيمون حسابات خاصة لأوضاع تلك الدول ولا لعلاقاتها. وقد سمعنا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرو وهو يُصرّح لقناة «فرانس 2» تعليقاً على ما قاله الرئيس الأميركي الفائز دونالد ترامب بشأن سياسة الصين الواحدة، بأن «الصين بلد كبير، وقد تكون لنا اختلافات مع الصين، ولكن لا يمكن لك أن تتحدّث إلى شريك بهذه الطريقة»، وهو يعني بذلك أن الأميركيين يهدمون شراكة الأوروبيين مع الصينيين.

 

في كل الأحوال، الأوضاع الدولية في تبدّل، وبالتالي ستتغيّر أشياء كثيرة في الأقاليم هنا وهناك، بما فيها منطقتنا. وهو ما يُحتِّم على الجميع أن يكون يقظاً تجاه القادم من الأيام فيما خصّ أمن هذه المنطقة.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/12/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد