آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الستار توفيق قاسم
عن الكاتب :
كاتب ومفكر ومحلل سياسي وأكاديمي فلسطيني، ولد في دير الغصون بطولكرم الفلسطينية، وأستاذ العلوم السياسية و الدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس.

حين لا ينفع الفلسطينيين الندم

 

عبد الستار قاسم
كثيرون على الساحة الفلسطينية هم الذين يعضون أصابعهم الآن ندما على ما اقترفوه بحق الشعب الفلسطيني عندما قرروا الاعتراف بالكيان الصهيوني وتوقيع اتفاق أوسلو المشؤوم. يدركون الآن أنهم لم يكونوا إلا مجرد ألعوبة بيد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتضليل الشعب الفلسطيني وجره إلى المزيد من الويلات والآلام والتحقير والإذلال. وبالرغم من كل ما جرى، ومن كل التراجعات التي لحقت بالقضية الفلسطينية، ما زال لأهل أوسلو عين تظهر على الناس على شاشات التلفاز، ويتبجحون بمبادئ وثوابت أضاعوها وتركوها خلف ظهورهم هاربين. لقد سطروا أكثر من خمسة وعشرين عاما من الفشل الذريع. فشل وراء فشل وهم يغمضون عيونهم ويصمون آذانهم عما تفعل أمريكا والكيان الصهيوني من تنكر للحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وبالرغم من كل هذا الفشل والتراجع والتدهور ما زالت السماجة تعلو وجوههم ولم يجد أحدهم لنفسه مبررا لكي يرحل عن المسرح السياسي الفلسطيني. لقد استثمروا خمسة وعشرين عاما فشلا لكي تنمو مصالحهم الشخصية على حساب الوطن والمواطن. وغامروا بكل ما هو مقدس لدى الشعب الفلسطيني لتهنأ جيوبهم بالمال الأمريكي والعربي النجس.
كم من مرة شرحنا لهم وحللنا العقلية الصهيونية والرؤى الأمريكية، ووضحنا عبر الشاشات والإذاعات والمحاضرات والندوات والمقالات والإيماءات حقول الألغام التي ألقوا الشعب الفلسطيني فيها، وكم من فشل قمنا باستغلاله لتذكيرهم بأخطائهم وخطاياهم وطالبناهم بالعودة إلى شعبهم والتخلي عن سذاجاتهم، ولم نكن ننجز شيئا على الإطلاق. وكانوا دائما يقولون لنا إننا جماعة إيران وسوريا ولا نريد إقامة السلام، وكأن إيران وسوريا فقط هما اللتان تتحدثان بالحق والحقيقة. وبدل أن يواجهوا الحقيقة كانوا يلجأون إلى السباب والشتائم والتشهير والتشويه ولغاية الآن. وكان نصيبي من حملتي ضد اتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقيات أن أطلقوا النار علي إحدى عشرة مرة، واعتقلوني سبع مرات، وأحرقوا لي ثلاث سيارات، ولم يتوقفوا عن تسليط زعرانهم ضدي وضد أسرتي إلى  درجة أنهم صوبوا المسدس إلى رأس زوجتي زين النساء وهددها الأنذال بالقتل. ومن أبشع ما صنعوا أنهم اعتقلوني أثناء إجازة التفرغ العلمي والتي من المفروض أن أستغلها بعمل بعض الأبحاث العلمية وأكسب بعض المال لتحسين أوضاعي المعيشية. لقد اعتقلوني لكي يمنعوا عني تحسين الأوضاع المعيشية.

هذا ناهيك عن جرائمهم ضد المقاومين الفلسطينيين وملاحقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لكل صوت حر حتى لا يتم “تلويث” مسيرة ما يسمونه بالسلام.
وأخيرا سطع ظلام الخيبة والضلال، ولم يعد من يفكر بحسن ظن في الولايات المتحدة. أمريكا عدو مبين لفلسطين وللعرب والمسلمين، ولا أمان لهم ولا ثقة بهم. وهذا وصف ليس صحيحا الآن فقط وإنما هو صحيح منذ القرن التاسع عشر وقادة أمريكا يتآمرون مع الإنكليز على فلسطين ويبحثون في كيفية إخلائها لتسليمها لليهود.

يبدو أن محمود عباس الرئيس غير الشرعي للسلطة الفلسطينية قد أيقن الآن أن الغدر والاستغلال هما من الشيم الثابتة لشركائه في صناعة السلام العالمي، فغير من لهجته قليلا. فهل سيعود إلى رشده هذه المرة ويقرر  العمل بجد واجتهاد على إقامة وحدة وطنية فلسطينية، ويحتمي بالمقاومة الفلسطينية العظيمة التي صدت الجيش الصهيوني مرارا في حروب متتالية؟ وهل سيقيم المحاكم الضرورية لمحاكمة كل الذين أوهموا الشعب الفلسطيني عبر العقود السابقة؟ وهل سيفتح ملفات الفساد علنا أمام الناس ليبان الخبيث من الطيب؟ وهل سيفتح الأبواب أمام مشاركة الآخرين في تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات؟ سنرى ما تخبئ الأيام القليلة القادمة.

حتى الآن، لا تشير تحركات عباس أنه جاد في تبني التغيير. فهو بعث برسالة لنتنياهو، ومجرد إرسالها يعني أنه ما يزال يأمل ببعض الشفقة والرحمة الصهيونية. لقد أهان نفسه وأهان الشعب برسالته هذه لأنه أكد للعدو ضعف نفسيته حتى لو كانت لهجته في الرسالة قد حملت جديدا. لا يجوز الاستعطاف بعد أن قررت الذهاب بطريق آخر. وهو ما يزال يتطلع إلى الجامعة العربية التي يعنبر أمينها العام من كبار المطبعين مع الصهاينة، والتي ما زالت دول الخليج تتحكم بمسارها وسياساتها. ولم يجد أناسا يذهبون إلى غزة لتصحيح الأوضاع مع حماس إلا كبار المؤيدين لأوسلو والذين ألحقوا أذى كبيرا بالشعب الفلسطيني.

لقد ثبت فشل المنطق الحزبي والمنطلق من مصالح حزبية وتنظيمية. وثبت فشل القيادات الفلسطينية، وسواء كان عن سابق إصرار وسوء نية أم لا، ورطت القيادات الفلسطينية الشعب لفلسطيني.، ومنّته بالخير الوفير ولم يحصد سوى العمى والخيبة والفشل الذريع. على مدى أكثر من خمس وعشرين سنة، وقيادات فلسطين تكذب على شعب فلسطين، وما زالوا يكذبون حتى الآن وبعد صفقة ترامب.
وعلى كل حال، من كان يضلل الشعب الفلسطيني ظنا منه أنه سيدمر هذا الشعب وسيطيح بكرامته وعزته وإصراره على النهوض واستعادة الحقوق ستخيب ظنونه.

نحن شعب معطاء ونجد عند الجد، وسريعا ننهض من بين الأنقاض ومن تحت الركام. الغبار لن يطول على ملابسنا وأجسادنا، وسنستعيد طهارتنا الوطنية ولن يجد منا الصهاينة إلا غلظة وبأسا شديدا. وللصهاينة أقول، لا تحلموا بالهدوء، فهذه البلاد بلادنا ولن نرضخ ولن نستسلم، ومكانكم أنت ليس هنا. إذهبوا عند عشاقكم الأمريكيين  فأراضيهم فسيحة وثرية، ومواردهم كثيرة.، ولا تغامروا بأنفسكم في بلادنا. ومهما بلغتم من العظمة والقوة العسكرية تبقون مجرد كمشة جغرافية وسكانية ولا مقومات لكم للبقاء.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/02/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد