آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الستار توفيق قاسم
عن الكاتب :
كاتب ومفكر ومحلل سياسي وأكاديمي فلسطيني، ولد في دير الغصون بطولكرم الفلسطينية، وأستاذ العلوم السياسية و الدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس.

نصر الله أصاب اقتصاديا

 

د. عبد الستار قاسم
أكبر مشكلة تواجهها لبنان منذ الاستقلال حتى الآن هي الأحقاد العميقة التي تملأ نفوس وقلوب القيادات والتي يتم بثها تربويا ومعنويا وثقافيا في نفوس الجذور الشعبية فتتحول إلى أحقاد جماهيرية تمزق النسيجين الاجتماعي والأخلاقي اللبنانيين، وتسارع في صناعة أزمات لبنانية متلاحقة. وقد تعمد الفرنساويون بالتعاون مع قيادات لبنانية قبلية حزبية وطائفية تصنيع نظام سياسي يجعل لبنان عرضة للأهواء والأمزجة والتدخلات الخارجية والفتن. وعلى الرغم من الهزات العنيفة التي تعرضت لها لبنان على مدى العقود السالفة، لم نجد تحولات جماهيرية واسعة لتقضي على النظام القيادي اللبناني وتتخلص من مآسيه، ولم نجد ضميرا قياديا لبنانيا قبليا متنفذا تقليديا يفاتح الشعب بحقيقة النفوس القيادية المريضة المقيتة ويحفز اللبنانيين إلى الدفاع عن أنفسهم. حتى بسبب أحقادهم، أصر لبنانيون كثر على أن لبنان هزمت عام 2006، في حين بقي الصهاينة يتحدثون عن هزيمتهم في ذلك العام وأقاموا لجان تحقيق تبحث في أسباب الهزيمة.
تعارك لبنان الآن أزمة مالية واقتصادية لم تشهد مثيلا لها من قبل. جفت الأموال وقلت الموارد، وخابت السياسات وفقد اللبنانيون البوصلة وأدخلتهم قياداتهم في متاهات لا شأن لهم بها. ويبدو أن قلوب عرب كثر تخفق حزنا على ما يجري في لبنان بينما تبقى قيادات لبنانية مقيدة بأحقادها على حساب مصالح الشعب.
استمعت للسيد حسن نصر الله في خطابه بتاريخ 7/تموز/2020 وهو يتحدث عن مخارج لتحسين الاقتصاد اللبناني. علما أن السيد حسن قائد لبناني برز استحقاقيا وليس وراثيا عائليا. تتلمذ دينيا وحمل الهموم اللبنانية. هو ليس من عائلة متنفذة، ولم يكن إقطاعيا أبدا، ووالده لم يكن من أصحاب الألقاب ولا أصحاب العقارات والشهوات. وراتبه، وفق ما صرح به، $1300. وهو راتب سد الحاجة.
عرض السيد حسن عددا من الخيارات أمام اللبنانيين وعلى رأسها التوجه شرقا، أي إلى الصين والهند وباكستان وإيران وأفغانستان والعراق وسوريا. المعنى أنه يرى في الهيمنة الغربية الأمريكية على لبنان مأساة حقيقية، ويكفي ما عانته لبنان من سياسات أمريكا ومن سطوة سفراء أمريكا في عوكر. هو يقف ضد سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واللذين يمثلان أداتين فعالتين بيد الولايات المتحدة للهيمنة على الدول المسكينة الفقيرة. زار الصينيون والعراقيون لبنان لتدارس التعاون الاستثماري والتبادل التجاري، وهو يرى في ذلك فرصة. لكن المشكلة في لبنان أن أغلب القيادات العائلية الإقطاعية المتنفذة في لبنان احتفظت بنفوذها وثرائها وسطوتها بفضل الدعم الغربي بالأخص الفرنسي والأمريكي، وكذلك بفضل الدعم الصهيوني. هل سيوافق هؤلاء السيد حسن على إدارة الظهر لأمريكا والكيان الصهيوني مغامرين بمواقعهم ومصالحهم الخاصة؟ طبعا لا، وسنرى.
أهم ما طرحه السيد حسن هو تبني سياسة الاعتماد على الذات. وهذا ما ركزت عليه في كتاباتي حول الشأن الفلسطيني واللبناني عبر السنوات. وقد كتبت كتابا بعنوان نظرية الاعتماد على الذات في مواجهة التحديات، ونشرته دار الفرسان في عمان. الأمم تحيا بالعمل والاعتماد على سواعد أبنائها، ولا تحقق إرادة حرة إلا إذا أكل أبناؤها من عرق جبهاتهم. والأمة يجب أن تركز بداية على القطاع الزراعي الذي هو مصدر الغذاء الأول، ومن لا يفعل ذلك يطوع نفسه لمن يطعمونه ويوفرون له سبل العيش. لبنان وفلسطين والأردن بلا إرادة سياسية لأنها دول لا تتمكن من الاستمرار بدون هبات مالية خارجية. ومن أطعمك حكمك.
أصاب السيد حسن عندما طلب من الناس الاستثمار في كل بقعة أرض يمكن أن تُنبت شيئا مفيدا. مساحة لبنان صغيرة، لكنها أكبر من الضفة الغربية، والمجال واسع في لبنان والضفة للتوسع الزراعي. ولكن للأسف، توجه الناس بصورة كبيرة إلى الوظائف والرواتب على حساب الأرض، وكان هذا نتاج السياسات الاقتصادية الفاشلة.
هناك نقطة أساسية لم يتحدث عنها السيد حسن وهي نشاط الناس. الحكومات فاشلة، والمتنفذون خائبون مدمرون، لكن الناس ليسوا على قدر المسؤولية. النوم يغزو الوطن العربي بالأخص بلاد الشام. أغلب الناس يحيون الليالي وينامون النهار. حتى في رمضان الذي من المفروض أن يكون شهر الجهاد، يصوم الناس وهم نائمون، ويستيقظون آخر النهار ليدلعوا كروشهم. مطلوب من الناس أن ينهضوا مبكرا، وأن يبدأ يوم العمل مع بزوغ أول شعاع شمسي أو قبل ذلك. كنا نبدأ العمل في عهد آبائنا وأجدادنا مباشرة بعد صلاة الفجر، أما الآن فلا تستطيع قضاء حاجة من السوق قبل الساعة العاشرة. هذا فضلا عن ظاهرة الأراجيل (الشيشة) المنتشرة بكثافة في بلادنا والتي تستهلك جهودنا وأوقاتنا وأموالنا. نحن نتنطع في المقاهي وخلف الأراجيل ونمد أيدينا نستعطي الآخرين. هذه تربية خائبة فاشلة ومدمرة للأجيال والأوطان.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/07/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد