قصة وحدث: #العوامية بعد عام... شهيدة حية فوق الركام
فجر العاشر من مايو أيار عام 2017، امتزج صوت آذان المساجد مع أزيز الرصاص. هنا العوامية، عروس المنطقة الشرقية وكنزها الدفين، اختارها المعتدون ليلطخوا ثوبها الأبيض ويسدلوا عليها وشاح أطماعهم السوداء، لكنها أبت إلا أن تتعفّر بدماء الشهداء، وتكتب بالأحمر القاني: "هيهات منا الذلة".
ذاك الصباح تحديداً لم يحمل الطفل حقيبته مودّعاً والدته بابتسامة بريئة كعادته في كل صباح ذاهباً إلى مدرسته، فمدرعات قوات النظام السعودي بثت الرعب في قلوب الأطفال وحرمتهم من أبسط حقوقهم ظنا منها بأنّ فرض الحصار على الأهالي سيطفئ فيهم شعلة طلب العلم الحق وسيجردهم من مبادئهم الراسخة، لعل أيادي الغدر السعودي تناست بأن في كل فرد منهم لا تزال تنبض قضية الشيخ الشهيد نمر باقر النمر الذي رفض الذل والاستسلام ونادى بنصرة المظلوم انطلاقا من عواميته الأبية، مسقط رأسه..
العوامية في التاريخ
تتربع بلدة العوامية في كنف القطيف في المنطقة الشرقية، وتعد بلدة عريقة أثرية يعود عمرها إلى مئات السنين.
تتوسط بلدة العوامية أحياء عدة منها حي المسورة، حي الزارة، حي الفريق الشمالي، حي الفتية، حي كربلاء، حي القوع، حي شكر الله، حي الجميمة..وغيرها
يعد حي المسورة من أقدم الأحياء في البلدة لما يحمله من ميزة أثرية، إذ يعود بناءه إلى ما قبل 400 عام.
يؤرّخ الكاتب زكي علي الصالح تاريخ بلدة العوامية بكتاب"العوامية تاريخ وتراث"إذ يوثق ماضي البلدة وتحديداً منطقة "الديرة" ، وسط البلدة القديمة، أو ما يعرف بـ"حيّ المسورة" التاريخي. فالمسوّرة، بحسب الصالح، مأخوذة من كلمة السور، وهو سور بناه "العواميون" الأوائل تفادياً للكثبان الرملية التي كانت تعصف عادة بسكان الجزيرة العربية.
100 يوم من الصمود
فتحت قوات النظام السعودي نيرانها على البلدة ومارست أبشع الانتهاكات بحق الأهالي والأطفال العزّل، لكن العوامية أبت الخنوع والذل، فرغم انقطاع مقومات الحياة عن الأهالي صمدوا في وجه حصار غاشم لمدة مئة يوم ورفضوا النزوح القسري، حتى مرّ عليهم شهر الرحمة دون رحمة إلى أن جاء يوم التاسع من أغسطس، حين اجتاحت الفرق العسكرية، حي المسورة الأثري تحت غطاء القصف المدفعي والقنابل المتفجرة والحارقة، وراحت تنتهك حرمات المساجد ودور العبادة وتعدت ذلك إلى الرقص بأحذيتها العسكرية وسط المساجد والحسينيات، وأحرقت العديد من نسخ القرآن الكريم، ودمّرت المآذن محاولة بذلك المشهد إعلان اجتياحها للبلدة.
صمود كتب بالدم
إحدى وثلاثون شمعة ما زالت تنير سماء العوامية وتذيب الدماء في التراب، إلى جانب العشرات ممن ارتقوا بجراحهم إلى أعلى مراتب الصبر والعزيمة. فيما لا تزال روح الطفل جواد مؤيد الداغر ها هنا تبحث عن لحظة فرح اختطفتها منه أيادي الغدر واستبدلتها برصاصة اخترقت رأسه وهو ينعم بحضن والدته الدافئ.فيما كان لأطفال بقية نصيباً من المعاناة مع الجراح كالطفل جواد الحمدان الذي ابتلع شظايا مؤلمة بدلا عن الزاد الذي حرمته إياه مرتزقة النظام، نفسها التي آلمت قلب الطفل سجاد أبو عبد الله وأبقت أنينه صادحا في مسامعنا حتى الآن...
واحد وثلاثون كوكبا التحقوا بركب ابن بلدتهم الشيخ الشهيد نمر باقر النمر وسُجّلت أسماؤهم في دفتر حفظ القضية منهم:الشهيد حسين أبو عبد الله، علي مهدي السبيتي، الشهيد محمد عبد العزيز الفرج، محسن الأوجامي، حسين السبيتي، حسين الزاهر،الشهيد جعفر المبيريك، صادق درويش، حسن العبد الله، محمد الصويمل، علي أبو عبد الله، فاضل آل حمادة ، علي محمد عقاقة، وهب فكري معيوف، أمين محمد آل هاني، عبد المحسن الفرج، محمد ارحيماني وغيرهم ممن التحق بقافلة الشهداء وارتقى بدمائه الزكية.
لماذا العوامية دون غيرها؟
الكثير من الذرائع انتهجتها السلطات السعودية لجعل العوامية أثراً بعد عين، لكن الذرائع الواهية لم تنطوِ على أحد، فإذا كان الهدف إقامة مشاريع تنموية فلماذا هدمت المساجد وأحرقت المقدسات؟؟ ولماذا هدم الحي العريق الأثري الذي يعود عمره إلى أربعة قرون دون الاستفادة منه في القطاع السياحي، ولماذا قتل الأبرياء والأطفال وشرد الأهالي دون تعويضهم بمسكن آخر؟؟... وإذا كانت الذريعة ملاحقة اللصوص ومروجي المخدرات والإرهابيين – حسبما روجت له وسائل الإعلام السعودية الرسمية- فلماذا اغتيل الشباب الذين حرموا من أبسط حقوقهم والتزموا الحراك السلمي المطلبي ما قبل استشهاد الشيخ النمر وبعد استشهاده؟؟
المراقب لأحداث العوامية سيجزم بأن الهدف واضح وعلني وهو القضاء على المد الشيعي في هذه البلدة والتأسيس لنوايا خبيثة مستقبلية بالقضاء على المد الشيعي الرافض للظلم في منطقة القطيف، فنفوس السلطة السعودية مسكونة بروح الانتقام من منطقة "ذنبها الذي لا يغتفر" أن خرج منها معارضون محتجون نشطوا في تظاهرات دعا إليها الحراك السلمي عام 2011، انطلقت من بلدة العوامية ، بقيادة الشيخ الشهيد نمر باقر النمر الذي أعدم بجرم إعلاء كلمة الحق ونصرة المظلوم.
أضيف بتاريخ :2018/05/18