حادثة نجران: محاولة للقراءة
لا بد أن يستفاد من العناصر الموقوفة بتهمة الإرهاب في دراسة سيكولوجية متعمقة، تحلل ظروف نشأتهم وملابسات تجنيدهم بشكل جاد، والخروج من ذلك كله بنتائج مفيدة لنا ولغيرنا في كبح هذا الجنون
توقعنا وتوقع غيرنا منذ حادثة (الدالوة) أن الحوادث المماثلة مرشحة للتصاعد، فالإصرار واضح من قبل تنظيم داعش ومن يقف وراءه على المضيّ في خطته الإرهابية التي تستهدف هذه البلاد.
بشيء من التأمّل الإحصائي نجد أن المساجد كانت هدف الهجمات المتتالية للإرهاب، ولهذا دلالته التي تشير إلى حالة من الضعف لدى التنظيم تجعله يعمد إلى الأهداف الأسهل، فلا شيء أسهل بالعادة من هجوم على مكان آمن للعبادة. إضافة إلى أن استهداف المساجد يضمن حصيلة أكبر من الضحايا كما هو معروف.
من جهة أخرى نجد أن الإرهاب طال أربعة مساجد شيعية جعفرية مقابل مسجد شيعي إسماعيلي واحد، ومسجد لقوات الطوارئ، ولهذا دلالته أيضا. فاستهداف المكون الشيعي بحسب تصورات الإرهابيين يساعد في دفع عجلة تمزيق اللحمة الوطنية. وكذلك معروف ما يأمله الإرهابيون من استهداف للعناصر الأمنية المكلّفة بمحاربتهم وحماية البلاد منهم.
عند التمعن في الأدبيات الداعشية المسوغة لهذه العمليات سنجد أنها تقوم على مستند سابق من خلع الحرمة الإنسانية عن أهدافهم. ولعلها المسوّغات نفسها التي استعملت في تجنيد العناصر الضالة وأغرتهم للالتحاق بالتنظيم. فلا يخفى طغيان استعمال مفردة (الروافض) مع استجلاب كل حمولاتها الدلالية المحرضة عند استعمالها في هذه الخطابات، يلي ذلك الخطابات المحرضة على رجال الأمن ومحاولة وصمهم بخيانة الأمة كما تزعم الأدبيات الداعشية.
أنا على يقين أن إقناع المجند الداعشي باستهداف مسجد شيعي أسهل من إقناعه بالهجوم على مساجد السنة. لأن مثل هذه الدعوة تتسق في الغالب مع قناعات تميل إلى نزع الحرمة الإنسانية عن الطائفة الشيعية، وسبق توغلها إلى ذهنه من قبل، من خلال تعوده على سماع لعنهم والنيل منهم وتكرر مرور القول بتكفيرهم ضمن ما يتلقّاه في نطاق مخالطته.
لعل نسبة أربعة إلى واحد التي تعكس نسبة استهداف المساجد الجعفرية مقابل نظيرتها الإسماعيلية تشير إلى الطائفة المعنيّة بالاستقطاب الإقليمي بدرجة أكبر، ونيلها بالتالي المقدار الأكبر من الخطابات التحريضية. صحيح أن الجاهزية الفكرية للتجنيد ليست العامل الوحيد المسؤول عن وقوع الحدث الإرهابي، ولكنه العامل الأخطر في نظري، فكل المخططات السياسية والموارد المالية والتقنية تظل عاجزة إذا لم تجد ما تشتعل فيه من وقود بشري متمثل في شبابنا الذين يتقافزون بحمق إلى هذه المصيدة. علينا أن نكون أكثر جسارة في طرحنا لهذه القضية التي تمس أمننا بالمقام الأول. وعلينا تكرار دعواتنا بتوقف التحريض الطائفي الذي لا يزال يمارس بشكل معلن في كثير من أوساطنا. من المهم التنبيه هنا بأن خطورة التحريض لا تقتصر على التحريض المباشر من قبيل: (اقتل) و(فجر) بل تتعداه إلى الإغراء غير المباشر من خلال استساغة اللعن والشتم ومهاجمة طائفة بعينها بشكل مجمل. يعمل أثر مثل هذا الإغراء في الطبقة اللاواعية من الإدراك البشري، وهو بذلك أكثر خطرا من الأثر على العقل الواعي. من الممكن تبين ذلك مثلا من خلال جرأة بعض المراهقين على العمالة الآسيوية في بلادنا التي لم تكن لتنشأ في أدمغتهم لولا تعودهم على استباحتهم لفظيا من قبل بعض من يكبرهم سنا. وهذا منسجم مع ما يقرره علم نفس الجريمة من أن الجاني لا بد أن يمر بطور سيكولوجي ينزع فيه عن الضحية إنسانيتها حتى يسوغ له النيل منها بنفس راضية أو أقرب إلى الرضا. ويكون ذلك إما بواسطة النظر إليها كشيء أو بواسطة القول بشيطنتها. ولعل الطريقة الثانية هي ما يُعمد إليه في العلاقة بين العنصر الإرهابي وخصومه الافتراضيين أي (الشيعة) في الغالب. فهو يتلقى باستمرار ذلك الخطاب الاختزالي الذي يحمّل كل شيعي في العالم مغبّة ما يفعله شيعي آخر مهما قصت به الأماكن عنه أو حتى الأزمنة، فلا غرابة في أن نرى من يتلقى مثل ذلك الخطاب يحمّل سائق أونيت بسيط في نجران جريرة ما كان يفعله (الحسن الصباح) في (قلعة آلموت) ولا يعنيه إن كان ذلك النجراني قد سمع باسم قلعة آلموت من قبل أم لا!
أود الإشارة إلى أنه من المجدي في نظري أن يستفاد من العناصر الموقوفة بتهمة الإرهاب في دراسة سيكولوجية متعمقة، تحلل ظروف نشأتهم وملابسات تجنيدهم بشكل جاد. والخروج من ذلك كله بنتائج مفيدة لنا ولغيرنا في كبح هذا الجنون. فالبحث العلمي والثقة بفاعليته ومخرجاته أقدر على تحقيق ما قصرت المناصحة وبرامج الوعظ عن تحقيقه.
الكاتب: عبدالرحمن مرشود
المقال لصالح صحيفة الوطن.
أضيف بتاريخ :2015/10/28