نقد الموروث الديني
فاضل الطالب ..
يتصوّر بعض رجال الدين ــ وللأسف ــ أنه بمجرد نقد بعض الانحرافات الفكرية العقائدية التي أصبحت بطريقة أو بأخرى جزءاً من منظومة الدين.. يتصور أولئك أن البناء الديني سيهدم بأكمله فوق رؤوس الأشهاد، وهم يعلمون علم اليقين أن هذه الانحرافات مشكوك في صحتها؛ لذا يرجئون حل هذه القضايا حيناً ويسوفونها إلى أمد غير معلوم، خوفاً من ذلك حيناً آخر، هذا بمجرد المناقشة والاستماع إلى النقد، فما بالك العمل على تغيير هذا الحكم الموروث وإرجاعه إلى الجوهر الأصلي، أو قل تجديده وتطويره، ونسي هؤلاء ـــ وكما قال السيد فضل الله ـــ أن الدين يملك قوة التجديد والتطوير، بحيث يمكن أن تنتقد كل التراث الموروث ويبقى الجوهر الثابت أصيلاً.
تاريخياً، قامت عملية نقد التراث المسيحي في أوروبا في ما عرف بالنقد الأعلى والنقد الأدنى، التي حاربتها الكنيسة آنذاك دفاعا عن الموروث الديني، انتهت إلى انتصار حركة نقد التراث وتحرر أوروبا من تخلف القرون الوسطى.
وفي المقابل، فقد قامت عملية نقد التراث الإسلامي في منتصف القرن الماضي على يد مجموعة من علماء حركة النهضة مثل الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم، التي صبّت نقدها ليس على القرآن الكريم بالطبع، لكن بحق الموضوعات المنتشرة في كتب الحديث والتفسير كالإسرائيليات وغيرها، ونبهت على ضرورة تطهير الفكر الإسلامي من مخلفات التاريخ وعبث يد الأنظمة المتعاقبة التي امتدت ظلالها عليه، والتي استمرت تلقي بظلالها على الواقعين الثقافي والديني للمسلمين حتى الآن.
وهناك بلا شك العديد من تلك القضايا السالفة الذكر، التي ما زالت عالقة، والتي تمثل انحرافا عن الأهداف السامية التي من أجلها بعث المولى القدير الأنبياء والرسل، ويعاني منها بالفعل رجال الدين المتنورون من جميع الأديان والمذاهب، والذين انبروا بكل جرأة وشجاعة لتغيير الواقع المؤلم وإبراز الأصل المستنير، وبالطبع فهم لم يسلموا من الانتقادات اللاذعة من أصحاب التفكير الأحادي المتزمت والذهنية المقفلة التي لا تنفتح على مواقع التحدي، وقد وصل الأمر إلى أن يطلق على أحدهم لقب «الضال المضل» بسبب آرائه النقدية وتفسيره بعض القضايا العالقة المغايرة للإجماع التي اعتبرها البعض للأسف من صلب الدين.
أعتقد أنه آن الأوان للعمل على تغيير تلك المعتقدات البالية التي ظلت لقرون عدة تراوح مكانها، وألا ننسى أننا في زمن الطفرة التكنولوجية التي أصبح الجيل الجديد يتقنها بمهارة وذكاء، حيث بإمكانه الوصول الى أي معلومة بلمسة زر، وألا نكتفي بعملية جلد الذات التي ظللنا لسنوات طويلة نمارسها.
أعلم أن الأمر غاية في الصعوبة وأن سالك هذا الطريق لا يسلم من الأذى.. لكن، هل نصرّ على اجترار شعارنا بذهنية الجاهلية الأولى التي أوردها القرآن الكريم «إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون»؟ أم نعمل على التجديد والتطوير حفاظاً على الجوهر، ولعلنا في مقالة أخرى نضع اليد على الجرح، فنسلط الضوء أكثر على هذه القضايا الموروثة وأسباب الاعتقاد بها والتمسك بتلابيبها، حتى أصبحت ــ للأسف ــ جزءاً من التراث.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/08/31