العودة للمدارس وعبء التعلم
مها الشهري ..
كل عام دراسي والطلبة والطالبات بخير، في بداية كل عام دراسي يتعامل الكثير مع هذه الفترة بالتشكي من الأعباء، سواء الأسر أو الطلبة العائدون لمقاعد الدراسة، وهذه المرة تزامنت مع فترة العودة للمدارس الكثير من النوادر التي لا شك أنها تستجدي الأفضل وإن بدت في مظهر ساخر، إلا أنها في الواقع تشير إلى تحولات ثقافية واجتماعية.
بعد أن تلاشى النمط التقليدي المتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية للفرد الذي كان يبدأ من إلزام الأسرة ووحدتها العائلية، تعرضت الأسرة السعودية لتأثير بالغ في دورها الوظيفي ورسالتها التربوية، وظهر التحول التدريجي للنسق العائلي من الامتثال لرأي الأسرة إلى النمط الاستقلالي النسبي للفرد، وحينما ضعفت العلاقات العائلية وقلت سيطرة الآباء وإشرافهم على سلوك الأبناء ومتابعته، ساهم ذلك في تفكك القيود وانعدام الحزم عند بعض الأسر.
طرأ التطور في أساليب التربية ووظائفها بعد أن تعددت مصادر التعليم في المجتمع، وساندت الأسرة في تشكيل الطفل وتنشئته اجتماعيا وتعديل سلوكه، ثم أخذ الدور العائلي للتنشئة في التراجع بإلقاء العبء بشكل كبير على المدرسة والتعليم، ومن هنا أتت المشكلة في تصدع النسق التربوي أو غياب أحد أطرافه، والخطأ السائد هو أن الفشل في نواحي الحياة العامة أصبح يناط بالإخفاق في الدراسة أو بضعف التحصيل الدراسي، هذا الخلط أنتج لدينا إشكاليات ناجمة عن سوء المفاهيم، مما يعني أن هذا التعامل الاجتماعي منح فرصة للميل نحو السلوكيات المتمردة والعلاقات المنحرفة، ورأينا الكثير من ظواهر السلوك اللاأخلاقي والعبث بالمدارس في نهاية كل عام كتكسير الأدوات الدراسية وتمزيق الكتب وغير ذلك.
لا تكفي الشعارات التي نستخدمها لإبهاج أبنائنا بالعودة للمدارس إذا لم تكن قيمة حقيقية وجوهرية تنعكس عن إدراك بأهمية التعلم في الوعي الفردي والأسري والاجتماعي، وبإمكان الطفل ذي الستة أعوام إدراك هذه الأهمية ما دامت الأسرة تحسن التنشئة وتغرسها في وعيه بشكل تربوي ومحفز لتوسيع مدارك الأبناء ونظرتهم المستقبلية وما عليهم فعله لصناعة مستقبلهم، وفي وسعنا مساعدة أبنائنا لخلق حالة من الحب والولاء بينهم وبين مدارسهم، أما وإن بقيت الفكرة تنعكس عن المشقة والتقييد أو العقوبة والتخويف فلن يجدي ذلك نفعا، لأن التعلم سيكون قسريا في هذه الحالة وخارجا عن إطار الرغبة الذاتية.
على المؤسسات التربوية والتعليمية أيضا معالجة هذه الظاهرة بخفض أوقات الفراغ وتنويع البرامج والاهتمام بمستوى جاذبيتها، وزيادة الأنشطة الحرة في المدارس، كذلك التأهيل التربوي لأداء المعلم، الأمر الذي يسهم في احتواء الطلاب والطالبات، وتأهيلهم بالشكل اللازم لتقبل التعليم والوعي بقيمته مما ينعكس بالنفع عليهم وعلى المجتمع.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/09/21