أزمة القيادة في الواقع العربي
شفيق الغبرا ..
في علم القيادة يقال دائماً: لا يوجد جنود فاشلون بل قادة فاشلون، وفي العالم العربي توضع كل المسئولية لكل فشل على الجنود وقلما توضع على القادة.
مشكلة العرب ليست فقط في أولاً: كيفية وصول حاكم للحكم، فهذه تتم وفق اختيارات ضيقة للغاية تنقصها أسس المنافسة التي تفرز الأقدر لمدد مؤقتة، والمشكلة ليست أيضاً في ثانياً: انتقال السلطة بعد موت القائد وسط تغييب دور المواطنين المتأثرين بالانتقال، بل إن المشكلة الأكبر والثالثة أن الحاكم الجديد قادر على التحول نحو السلطة المطلقة إن قرّر ذلك.
فما سيقوم به منذ لحظة استلامه سيقرّر مصير الوطن برمته، فإن أحسن الحال كان به، وإن دمر الوطن ورهنه لأقلية سياسية أو لقوة عالمية ندب الناس حظهم، وإن أراد الحاكم سيبطش بمن يشكّكون بسياسته، وإن أراد عفا عنهم، أما إن فقد القدرة على الإدارة، فهذا ليس شأن المواطن، لأن المواطنين في العالم العربي فئة صغيرة من أصحاب الامتيازات والمستفيدين من أزمة القيادة.
العرب حتى اللحظة يقفون في مهب الريح، ففي العالم العربي قلّما يخضع القادة لقانون حقيقي فاعل يحمي الأفراد والناس والدولة والمؤسسات من ميولهم (القذافي نموذجاً)، بينما يخضع المواطن العربي لقوانين تخضع حريته. هذه السياسة العربية عزلت المجتمعات عن نفسها وعن دولتها، فلا وطن منذ زمن اليونان القديم بلا مجتمع من الأحرار، وفي غياب هذا البعد تسقط الحضارة، الحكم في البلاد العربية في هذا الزمن وبصورته الراهنة مدخل للدولة الفاشلة وللخضوع للخارج بنفس الوقت. ليس من الصدفة بشيء وجود هذا الكم من الدول الفاشلة في الوطن العربي، وليس من الصدفة بشيء عدم وجود هذا الكم من الفشل في دول آسيوية وأوروبية وغربية بل حتى وإفريقية.
مازال النظام العربي في جله يقوم على مبادئ لم تعد مناسِبةً للقيادة في هذا العصر، وذلك لأن قادة العالم العربي تأخروا في التعامل مع تغيرات كبرى أصبحت ملزمة لمن يريد أن يحافظ على وطن. هذه التغيرات مرتبطة بدور الشعوب في اختيار القادة، وبدورها في التعبير عن نفسها، وبمكانة الحرية في السياسة والحياة، بل وبمكانة المرأة والشباب والاقتصاد الحر والتنمية ومواجهة الفساد في بناء الدول.
إن السياسة السائدة في العالم العربي لن تسهم إلا في إضعاف النظام أمام الشعب وإضعافه أمام إسرائيل والغرب ودول الجوار. الكثير من قياداتنا يتحدثون مع الغرب بلغة الحداثة المتقدمة، لهذا يقفون بلا تردد مع حرية الصحافة والإعلام في مواجهة التطرف الإسلامي في باريس وفي الغرب، لكنهم يقفون ضد حرية هذا الإعلام في بلادهم. في الغرب يتحدثون بلغة الرجل الأبيض ويتقنونها، وفي الشرق بلغة الاستبداد القديمة.
الحالة العربية تعيش انفصاماً متداخلاً، فما يقع في بعض الدول العربية الكبيرة من انهيار ومفاجآت سيشكّل مستقبل كل العرب لو لم يتم التعامل مع أزمة القيادة. أزمة القيادة ستكون في المرحلة القادمة أخطر نقطة ضعف في النظام العربي.
في البلدان العربية تيارات وحركات سياسية، منها إسلامية ومنها قومية وليبرالية ووطنية وحقوقية، هذه تيارات لم تجرب الحكم إلا في أضيق نطاق، إن سياسة الإقصاء التي تطال التيارات السياسية العربية كما والأفراد، تصب في أزمة القيادة العربية وتمنع تطوير تجارب وتحُدّ من بناء مجتمع المواطنين القيادي والحر. وواهمٌ من يعتقد أن ظروفاً كهذه بالإمكان إدامتها، فالطبيعة البشرية تتعايش مع هذا الوضع لمدد من الزمن، لكن عندما يكتشف الناس مدى الدمار الذي تحدثه أساليب القيادة سيقع التمرد وراء التمرد.
بطبيعة الحال لن ينجح كل العرب في الهجرة للغرب والهرب من أزمة القيادة، سيخوض معظمهم معركة البناء بعد كل هذا التدمير، فالديمقراطية لم تنشأ في التاريخ من فراغ، إذ جاءت من رحم الانتهاكات.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/07