تحديات العام المالي المقبل
محمد العوفي ..
أيام قليلة تفصلنا عن نهاية عام مالي مختلف بكل المقاييس آخذ في الحسبان التحولات الاقتصادية والهيكلية، التي يتوقع أن تكمل مسيرتها في العام المقبل، فالتحولات التي مر بها الاقتصاد في العام الذي يوشك على الانقضاء متعددة وكثيرة، أبرزها انطلاق شرارة التحول من اقتصاد المورد الواحد (النفط) إلى الاقتصاد المتنوع ذي الموارد المتعددة، كشف الستار عن رؤية «السعودية 2030»، وبدأ تطبيق برنامج التحول الوطني 2020، وتحديد الاعتمادات المالية التي ستنفقها الحكومة على برنامج التحول بنحو 270 مليار ريال، وفيه تم تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى «صندوق سيادي»، وفيه كذلك تم رفع الدعم عن بعض السلع، وزيادة رسوم بعض الخدمات، وإيقاف بعض البدلات والعلاوات.
ومن المتوقع أن تستكمل في هذا العام والأعوام المقبلة سلسلة التحولات الاقتصادية وهيكلة الدعم الحكومي، فهي سلسلة طويلة لا تتوقف عند مرحلة معينة، ولكل مرحلة أهداف يفضي تحقيقها إلى المرحلة الأخرى حتى نصل إلى الهدف المنشود في نهاية عام 2030، وهذه التحولات الاقتصادية قد تكون مكلفة اقتصاديا واجتماعيا ومؤلمة، ولن تمر دون أن تؤثر على شرائح معينة من المجتمع، وبالتالي فإنها تخلق سلسلة من التحديات التي ترتبط مع بعضها بعضا، فكل تحد منها يخلق تحديات أخرى:
أولا: التحدي الأبرز في العام المقبل يتعلق بقدرة الإجراءات الاقتصادية المرتقب الكشف عنها على تنشيط الاقتصاد بشكل عام، ورفع مستوى النمو الاقتصادي من مستواه الحالي الذي تضعه التقديرات عند 1.8% ليصل إلى مستويات تسمح له بتوليد فرص وظيفية جديدة، وزيادة مساهمة قطاعاته المختلفة في إيرادات الحكومة بشكل عام.
ثانيا: القدرة على زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية بشكل سنوي وتدريجي من 163 مليار ريال إلى 530 مليار ريال بحلول 2020، وسيكون العام المقبل هو العام الثالث من خطة التحول الوطني التي وضعت في حسبانها الوصول إلى هذا الرقم، وبالتالي فإنها ستكون مؤشرا على مدى القدرة على تحقيق هذا الهدف في السنوات اللاحقة، ولذا يفترض أن تكون الزيادة في حجم الإيرادات غير الحكومية في نهاية العام المقبل زيادة واضحة في حجمها.
ثالثا: رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي المحلي، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لتقود قاطرة النمو في المستقبل من ناحية، ورفع قدرتها في توليد فرص العمل وخفض نسبة البطالة، فهي رغم أنها تمثل نحو 90% من منشآت القطاع الخاص، إلا أنها لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف التي يعول عليها في ذلك.
رابعا: خفض نسب البطالة التي بدأت في الارتفاع في الربع الثالث من العام الحالي لتصل إلى 12.3%، وهو رقم يؤكد عدم القدرة على السيطرة على البطالة من قبل وزارة العمل، وبالتالي فإن الحاجة لإعادة النظر في كثير من قرارات التوطين والسعودة التي تتجه إلى توطين المهن الصعبة، وتغفل كثيرا من الوظائف التي يمكن أن توظف أعدادا كبيرة من طالبي العمل السعوديين، ستكون من أبرز التحديات التي ستواجه الجهات المعنية في التوظيف.
خامسا: المحافظة على الطبقة المتوسطة، وزيادة اتساعها لأنها المحرك الاقتصادي الأول في أي مجتمع، وكذلك تقليص الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع، وألا تؤدي هيكلة الدعم الحكومي إلى تقلص نسبة هذه الطبقة، ويمكن المحافظة على هذه الشريحة من خلال البدء في تطبيق برامج دعم متعددة موجهة للفئات المستحقة للدعم، ويتوقع أن يكون العام المالي الجديد بداية دعم الأسر المستحقة للدعم، وأن يكون هناك برامج مخصصة لهذه الأسر.
سادسا: محاربة كل أشكال الفساد المالي والإداري والقضاء عليه، فالفساد والتنمية لا يترافقان، والفساد أكبر مهدد لنجاح أي برامج تحول، سواء كان اقتصاديا أو إداريا، لأنه سيعمد إلى وضع العراقيل والعقبات أمامها لتحقيق منافع فردية على حساب المصلحة العامة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/12/23