ظاهرة غياب الأبناء عن المؤسسات التعليمية
سليمان العيدي ..
لم تعد البيئة المدرسية محفزة للتبكير إلى الطابور الصباحي رغم حرص المسؤولين على إيجاد البيئة المعززة للعملية التربوية
في إحدى زيارات وزير التعليم الأخيرة لبعض المجمعات التعليمية قال، إنه لاحظ نسبة غياب الطلبة وإنها مرتفعة جدا، وإن على الأسرة أن تقوم بدور مهم في هذا المجال والتحفيز على حب الجامعة والمدرسة، وتمنيتُ أنه أردف عقب حديثه بتعليمات توجه للأسرة التعليمية وبيوت الخبرة، بدراسة هذه الظاهرة التي تفشت في الآونة الأخيرة، إذ لم نكن نسمع عن الغياب في المدارس إلا قليلا جدا، وكنا حينها نحضر الطابور الصباحي، بل قبله بوقت كاف للتهيئة ليوم دراسي بتفاؤل، غير ما ألمسه الآن من أبنائنا من تشاؤم وملل يصيب أقلام الطلبة وأفكارهم اليوم وبكل أسف، إذ لم تعد البيئة المدرسية محفزة للتبكير إلى الطابور الصباحي رغم حرص المسؤولين على إيجاد البيئة المعززة للعملية التربوية، وتهيئة الأجواء التي ترغّب الأبناء والبنات ليوم دراسي فرِح، ومع هذا لاحظ الوزير نفسه خلال جولته التي استهل بها الفصل الدراسي الثاني، وأكد على معلومة التأخر وارتفاع نسبة الغياب أسبوعا قد تنقص أو تزيد، وفي مراجعة سريعة قمت بها مع بعض الأصدقاء والأسر الذين يعانون من هذه الظاهرة تجاه أبنائهم، وصلت إلى حقيقة أن العامل النفسي له دور كبير، وأن التقليد الأعمى بين الطلاب أنفسهم له دوره في هذا المجال، وأن الأسرة تتحمل جزءا كبيرا من هذه الإشكالية، التي يعاني منها الآباء والأمهات بالدرجة الأولى، ثم تفاجأ في آخر العام أن نسبة النجاح عالية، وأن المتابعة الدقيقة لدرجات الحضور لم تؤخذ في الاعتبار، وهنا يفوت على الطالب التحصيل العلمي المطلوب خلال فترة غيابه، تُرى من المسؤول حينئذ؟
إن المسؤولية هنا مشتركة، تبدأ من غياب الدور الأسري، وعدم الاهتمام بالأيام الأولى أو حتى الأخيرة من العام الدراسي، وهذا ما شكّل انخفاض الفائدة المرجوة من العملية التعليمية والتحصيل لذلك الطالب الذي كان ينبغي أن يكون حريصا على كل دقيقة من الوقت، وأن النهاية مرهونة بذلك الإنجاز العلمي لأبنائنا الطلبة والطالبات، وأخص طلبة الجامعات، وأيضا هناك مسؤولية أخرى تقع على عاتق الميدان التربوي، أعني المدرسة التي تستقبل أبناءها بداية كل عام، فهل أسهمت هي بأن الأسبوع الأول أو الثاني من العام الدراسي غير مُجْدٍ؟ ويساعدهم في ذلك عدم محاسبة المدرسة، وعدم استدعاء أولياء الأمور، وكان بالإمكان وضع محفزات تنبع من المدرسة أو الجامعة، وذلك بإقامة أسبوع تعارفي ثقافي يدعى إليه كل من ولي الأمر والأبناء، ويُغني عن مجالس الآباء في منتصف أو آخر العام، وفي هذا اللقاء يتم التواصل مع الأسرة والجلوس مع أبنائهم في أروقة المدارس مع الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس، حتى لا يكون الأسبوع ميتا كما يحلو للبعض أن يسميه بذلك، ومع حرص وزارة التعليم على كون هذا الأسبوع مهما كباقي العام، إلا أن عليها دورا في وضع دراسة ميدانية، يقوم بها رجال الاجتماع وعلماء النفس، للوصول إلى دراسة أسباب هذه الظاهرة التي طغت على السطح إلى وقت قريب، ويجعل بين الأسرة والمؤسسة التعليمية تشاركا في الحل.
إنني أجزم أن نتائج هذه الدراسة ستكون بمثابة العلاج الأولي لمعرفة الواقع ودراسة الأسباب، لنصل إلى علاج هذه الظاهرة.
ويبقى ألا يعفى الآباء والأمهات من التأييد لأبنائهم بأن أولاد الحي كلهم لا يحضرون الأسبوع الأول، وأنا أحد الآباء لمست أن المشكلة تكمن في التقليد وغياب عقوبة المدارس التي كنا نعرفها من قبل بالإنذار والحرمان من التعليم إذا تجاوز الطالب أياما يُحرم على ضوئها من الدخول إلا بتعهد أو ظرف طبي. لكننا اليوم، حتى الأعذار أصبحت تؤخذ تساهلا من أقرب مؤسسة صحية، وبكل أسف إن الأمر فيه خطورة إن لم نقم بدراستها على مستوى مراكز البحوث والدراسات التربوية المتخصصة، وأخشى أن يكون العام كله مجازا إذا أحضرت عذرا طبيا، وتكون مخرجات التعليم متدنية.
شاهدناها في المستوى الذي يدخل بوابات الجامعة ثقافة وخطأ وإملاء وقلة معلومة، واليوم نحن أمام مسؤولية مشتركة علينا أن نضع لها الحلول كل من جانبه، لنعيد للجيل حب المدرسة والأستاذ والوطن.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/02/11