تكويت التعليم وتغريبه في البحرين
قاسم حسين ..
لم تعد المطالبة ببحرنة التعليم والصحة وغيرها من المهن والوظائف بالوزارات الحكومية ترفاً زائداً ولا مناكفةً سياسية، وإنّما ضرورة ماسة للتكيّف مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.
كتبنا عن هذا الموضوع مئات المقالات خلال خمسة عشر عاماً، ولكنه لم يكن يصل إلا إلى «إدارة العلاقات العامة»، فتتولى إرسال الردود الإنشائية المعلبة والمحفوظة في الأرشيف منذ ثلاثين عاماً. أما اليوم فلم يعد وضع البلد يتحمل المزيد من التسويف والردود البيروقراطية، فالوضع الاقتصادي يضغط على الحكومة في توفير موارد الموازنة العامة، ويضغط في الوقت نفسه على الأسر والعوائل البحرينية، جرّاء التخلي عن سياسة الدعم للكثير من السلع والخدمات، وزيادة الضرائب والرسوم.
كتبنا مئات المرات أن استقدام كوادر من الخارج للعمل في مجالات الصحة والتعليم والهندسة، في ظل وفرة الخريجين المحليين، سياسة خاطئة تماماً، ولا تلتقي بحالٍ مع مصالح الوطن والمواطنين. كما أن توظيف الخريج الجامعي هو الخيار الأسلم، فهو خيار وطني استراتيجي، وأكثر اقتصادية، وأكثر تحقيقاً للمصلحة الوطنية. فالأجنبي يكلّفك أكثر من ضعف تكلفة البحريني، ويتعذّب المرء وهو يكتب هذه الحقيقة البديهية والواضحة جداً، ليقنع بها الوزراء وديوان الخدمة المدنية، الذين يصرّون على الاستمرار في سياسة استقدام الأجانب حتى الآن، رغم علمهم بما تحمّله الاقتصاد من أعباء تدخل في باب الهدر المتعمد للمال العام، خصوصاً في زمن التقشف وشد الحزام.
في الكويت الشقيقة، قرأ الجميع خبر إقدام وزارة التعليم مؤخراً على اتخاذ قرارٍ بإنهاء خدمات 445 معلماً ومعلمة من الوافدين، من تخصصات الحاسب الآلي والعلوم والاجتماعيات، مع نهاية العام الدراسي، ضمن خطةٍ لإحلال 25 في المئة من الكويتيين في الوظائف التربوية، التزاماً بتوجه مجلس الوزراء. وتقدّم الكثير منهم بتظلماتٍ حيث يصعب عليهم ترتيب أنفسهم للرحيل خلال أربعة أشهر، ومن المتوقع أن تصل الجهات الرسمية إلى حلٍّ مرضٍ يراعي الكرامة البشرية والمروءة وحقوق الإنسان.
الصحيفة الكويتية التي نشرت الخبر أشارت إلى أن القرار اتخذ من العام الماضي، لكن الوزير السابق أجّله لمزيدٍ من الدراسة، حيث تهدف الخطة إلى تكويت معلمي ومعلمات المرحلة الابتدائية، والاستغناء عن معلمي بعض التخصصات التي فيها وفرة من الكويتيين.
نحن في الخليج لا ننكر على الإطلاق أفضال المعلمين الوافدين وخصوصاً من أخواننا العرب، ونحمل لهم عرفاناً دائماً بالجميل، لدورهم في نشر التعليم في بلداننا، إلا أن سياسة الاعتماد على الكوادر الخارجية لم تعد ملائمةً، خصوصاً مع وجود آلاف الخريجين الجامعيين العاطلين من أبناء البلاد، مع ما يمثله ذلك من ضغط مجتمعي للمطالبة بحق توظيفهم كمواطنين. ويشتد الضغط حين تكون هناك وفرة كبيرة من حملة التخصصات نفسها، فيتأخر حصول آلاف الشباب على فرص العمل في بلدهم، وبالتالي تركهم نهباً للبطالة وأمراضها، وعرقلة طموحاتهم وتكوين أنفسهم وبدء مشوار حياتهم المهني.
المواطن لم يعد يقتنع بأية تبريرات لعرقلة توظيف المواطنين الخريجين، تحت أية ذرائع كانت، فلم يعد مقبولاً في زمن التقشف الصعبة التي نمر بها شعوباً وحكومات، أن تستمر سياسة استقدام الأجانب بكلفٍ اقتصادية عالية، تدفعها للتأمين وبدل السكن وعلاوة الغربة وتذاكر السفر السنوية... إلخ، بينما لا يكلّفك المواطن البحريني نصف ذلك، وأنت تطالبه بالترشيد ووضع «مدوّنة سلوك» حسب رئيس مجلس الشورى.
والسؤال الذي يطرحه المواطنون اليوم: متى تسعى السلطات إلى بحرنة الوظائف التعليمية والطبية والتمريضية والهندسية... إلى آخر التخصصات، لتقنع الجمهور بكلامها بأن «المواطن أولاً» فعلاً؟
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/02