العمالة السائبة... حفلة التكاذب الجماعي
قاسم حسين ..
الأرقام التي نشرتها «لجنة التحقيق في العمالة السائبة» لم تكن مفاجئة، وإنما جاءت لتؤكد المؤكّد وتثبت المثبت، الذي يعرفه الجميع.
مشكلة العمالة السائبة لم يعد ممكناً التستر عليها أو التخفيف من آثارها بعدما أصبحت تسهم في نخر الاقتصاد، وكل ذلك يجري تحت سمع وبصر الدولة ومؤسساتها، التي اتهمتها اللجنة بتقاذف التهم بينها، دون وجود إجراءات حقيقية ورادعة لمعالجتها.
بعض الأرقام الجديدة جاءت أعلى من الأرقام الرسمية المعلنة سابقاً، فهناك اليوم 60 ألف عامل سائب في البحرين، ومن حقّ المواطن الذي ليس له مصلحة في تخريب الاقتصاد، أن يسأل: كيف دخل هؤلاء البلاد؟ ومن الذي سهّل لهم؟ وهل يمكن التصديق أن هؤلاء أو نصفهم أو حتى ربعهم، دخلوا البلاد تهريباً أم عبر إجراءات ووثائق رسمية ومنافذ شرعية؟
يبدو تعاملنا مع هذا الموضوع كمن لا يريد أن يرى وجهه القبيح في المرآة، فهذه العمالة السائبة أصبحت جزءًا من النظام الاقتصادي، تسهم في رعايته كل الأطراف: الحكومة بإهمالها وعدم اكتراثها؛ والشركات الجشعة والمقاولون الباحثون عن أعلى ربح؛ والمتنفذون من تجار «الفيز»؛ وكذلك المواطن العادي الذي يستخرج سجلاً تجارياً لشركة وهمية ليجلب عبره أيدٍ عاملة يتركها في السوق لتكسب قوتها وترمي له بفائض عملها وجزء من عرق جبينها. إنه نظام اقتصادي استغلالي فاشل، لأنه يقوم على الكسل والاستغلال.
هذه التجارة الوسخة، في الأيدي العاملة الرخيصة، واستقدامها غالباً من الدول الفقيرة، أصبحت فصولها واضحة الآن، حيث يضطر العامل الفقير لقاء شراء «الفيزا» بمبلغ 1700 دينار. ومقابل ذلك يضطر إلى بيع أرضه أو رهن بيته، أو يقترض مبلغاً كبيراً على أن يسدّده على مدى سنوات قادمة. كلنا نعرف هذا وكلنا نمارسه ونسهم فيه، حكومةً وشعباً، وتجاراً وشركات. وفي هذه الدائرة نمت شركات توظيف، مهمتها تسيير هذه التجارة، سواءً في بلد المصدر أو المصب، مع تجاهلٍ وتعامٍ وعدم اكتراث من قبل الحكومات، هنا وهناك. هذا هو اقتصادنا، وهذه هي حياتنا، وهذا هو واقعنا دون مكياج.
في عملية تقاذف التهم بين الأطراف المتورطة في هذه العملية، خرج مسئول بسفارة بنغلاديش قبل يومين ليعلن أنه تم إيقاف إصدار التأشيرات للعمالة البنغالية منذ مطلع الشهر الجاري، بسبب سوء معاملتها وانتهاك حقوقها. وهو يعلم بوجود 180 ألفاً من مواطنيه، 50 ألفاً منهم مخالف لشروط الإقامة، فمن الذي سهّل وصولهم للبحرين؟ وهل خرجوا من دكا أو شيتاغونغ بجوازات سفر مزوّرة أم بوثائق رسمية؟ وهل كانت السفارة تجهل مشكلة العمالة السائبة في البحرين فاكتشفتها مؤخراً، أم كانت تعرف تماماً وتشارك فيها بحصتها منها مثل السفارات الآسيوية الأخرى؟
إنها أكبر تجارة وسخة مليئة بالتناقضات، ولا يضاهيها إلا تجارة الرقيق الأبيض. هناك يُستغل جسد المرأة وهنا تُستغل عضلات الرجل وجهده، والمجتمع الذي يطالب بعزل العمالة الأجنبية في مساكن للعزاب من أجل المحافظة على فضيلته، هو الذي يؤجر لهذه العمالة بيوته القديمة التي لا يصلح أكثرها للسكن الآدمي، وهو الذي يُشارك باستخراج رخص العملٍ والمتاجرة بها في السوق السوداء.
ثم تأتي «المالية» لتتحدث عن تحويل العمالة السائبة أموالاً بطرق غير قانونية، وهل تتوقّعون لمن يعيش مخالفاً للقانون، بعيداً عن الخضوع لأنظمة العمل الرسمية، أن يذهب برجليه إلى البنك ليحوّل ما كسبه من مال، بأية طريقة كانت، إلى أهله؟ أم سيسعى لشبكات تهريب الأموال؟
إنها عملية تكاذب بشكل جماعي، فالكل يكذب على الكل، والجهات الرسمية بدل أن تفكر في حل جذري يخلص الاقتصاد من هذا المرض، ويخلّص البلد من هذه الأعباء، فتحت قبل سنوات الباب للعمالة السائبة المخالفة للقانون لتصحيح أوضاعها، وفي الأشهر الأخيرة خرجت بما يسمى بـ»التصحريح المرن»، ولتستمر اللعبة على أصولها، ولتقر أعين المتنفذين الذين يستخرجون الفيزا بالمئات.
لا يمكن أن نتكلم عن اقتصاد وازدهار وتنمية، مع كل هذه الأوضاع الشاذة والمخالفات.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/06