الملاحظة السادسة!
قاسم حسين ..
كان تأخري عن الوصول لمقر العمل صباح أمس لأكثر من ساعة، بسبب الزحام الشديد على شارع البديع، فرصةً لسماع البرنامج اليومي في الإذاعة، الذي يمثل نافذةً مصغّرةً للتنفيس عن المشاكل والهموم اليومية للمواطنين البسطاء، واستمعت خلاله إلى خمس «ملاحظات»!
مشوار العمل لم يكن يستغرق 15 دقيقة، ونادراً ما يطول إلى 30 دقيقة، في حال وقوع حادث يعطل السير. واستمر ذلك منذ صدور «الوسط» عام 2002 حتى قبل بضعة أعوام، بعدما تم تغيير نظام المرور، حيث جمع مهندسونا الكرام بوزارة الأشغال، وشاركهم في ذلك إخواننا في المرور، أسوأ ما في نظام الإشارة الضوئية، مع أسوأ ما في نظام الدوّار. فأصبح المشوار يحتاج إلى نصف ساعة يومياً. هذا النظام الفاشل الذي لا يُراد إصلاحه، يفسّر –إلى جانب نقطة التفتيش المستحدثة- استمرار الازحامات أغلب أوقات الليل والنهار.
في الشهرين الأخيرين، أصبح المشوار يحتاج إلى ساعة أو أكثر، عند الذهاب أو الانصراف من العمل، وهذا هو حال 180 ألف مواطن بحريني، غير عشرات الآلاف من الأجانب المقيمين على شارع البديع. وكثيرٌ من هؤلاء موظفون بالقطاع العام والخاص، يتعرّضون حتماً للمحاسبة في حالة التأخير. هذا غير طلبة المدارس والجامعات والمرضى الذين يحتاجون إلى مراجعة المستشفيات.
هذه الحقائق يعرفها بلاشك المسئولون بوزارة الداخلية، وخصوصاً الإدارة العامة للمرور، حيث تردهم الإتصالات، ويقرأون المقالات التي تتحدّث عن قضايا الناس، كما يستمعون إلى البرامج الإذاعية التي تنقل معاناتهم. وبالتالي يُنتظر من الوزارة أن تتخذ إجراءات فورية لمعالجة هذا الخلل في نظام المرور، الذي يتسبّب في الكثير من الخسائر والأضرار، سواءً للعاملين بالقطاع العام أو الخاص، فضلاً عن المعاناة اليومية الشديدة للناس.
كتبنا مراراً في هذه الزاوية خلال السنوات السابقة عن وضع دوّار القدم، وطالبنا بتصحيح وضعه غير السليم، حيث ازداد الزحام والإختناقات المرورية، بعد إضافة الإشارات الضوئية على الدوار، على عكس ما كان يطمح إليه المخطّطون. وكان المفترض أن تخضع العملية برمّتها إلى إعادة تقييم، بعد فترة اختيار، لكن ما جرى هو أن النظام التجريبي المؤقت تحوّل إلى دائم، واستمرت الاختنافات المرورية وتفاقمت الأوضاع.
الاختناقات المرورية لا تقتصر على شارع البديع، ذي الكثافة السكانية العالية، بل أصبح ظاهرة عامة في أغلب مناطق البحرين، في المنامة وضواحيها، والمحرق وشوارعها، وفي شرق البحرين وغربها، ومن شأن المحللين الاقتصاديين دراسة ذلك لتنويرنا وتنوير أصحاب القرار، بكلفته الاقتصادية والمالية على البلد وعلى الأفراد. والحلول المقترحة الآن تبدو هروباً إلى الأمام من مواجهة المشكلة، بعد أن فُتحت أبواب هذا البلد الصغير على مصراعيها للعمالة الوافدة وللتجنيس، دون حدود أو قيود. والآن يجني الجميع الثمار المرة، سواءً من قبِل بذلك وأيّد، أو عارض وانتقد.
في كثيرٍ من الحالات، يشعر الكتّاب أن صوتهم لا يُسمع، وأحياناً لا يُراد منهم أن يتكلّموا، وإذا حاولوا المشاركة بالبحث عن حلول واجتهدوا بتقديم مقترحات بدافع الحب والإخلاص، تأتي الردود الجاهزة المكتوبة على الآلة الطابعة القديمة منذ السبعينات. فإذا اقترحنا إضافة ساعة رقمية على الإشارات الضوئية مثلاً، لتنبيه السائق باتخاذ قرار التوقف أو الاستمرار، لتجنب الحوادث التي تزهق فيها عشرات الأرواح سنوياً، يأتي الردّ من «المرور» أو «الأشغال» بأنها لا تناسب أنظمة البحرين، فكيف تناسب الدول الخليجية الشقيقة ولا تناسبنا؟ وإذا اقترحنا إعادة برمجة تشغيل نظام الإشارة بحيث يعمل على التنبيه بإشارات نابضة قبل أن يتحوّل من الأخضر إلى الأحمر بسرعة، ليكون أمام السائق فرصة لاتخاذ قرار التوقف بالوقت المناسب، قالوا إن «إشاراتنا غير»! علماً بأنها لن تكلف موازنتنا شيئاً غير عملية إعادة البرمجة، التي يمكن أن يقوم بها أي عامل «فني» بحريني بإدارة الكهرباء.
ولأن إشاراتنا وعقلياتنا وطرق تفكيرنا «غير»، تستمر طرق عملنا القديمة، ويستمر إصرارنا على أخطائنا، وتستمر كل هذه الأزمات والمعاناة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/08