تبسيط الاقتصاد
فواز بن حمد الفواز ..
حين يفكر الشخص العادي في الأمور الاقتصادية يبدأ في التساؤل حول تكاليف المعيشة والمصالح الممكنة وسلامة وظيفته والمخاطر الظاهرة والكامنة. هذه الأمور عادة لا تظهر فيما ينشر عن الاقتصاد أو على الأقل ما يكفي لإرضاء غريزته للطمأنينة وراحة البال. حالة الفرد في الاقتصاد يعبر عنها ثلاثة عناصر مثل: الثروة "ما يملك والأمان عليه"، والنمو الاقتصادي "الحالة العامة التي إذا استقرت أو تحسنت أو تردت ستصله حتما"، والتوظيف "استمرار وظيفته وفرصة للتقدم وفرص توظيف ذريته". هناك عناصر أخرى مثل التضخم وتنافسية الاقتصاد والعلاقة بين القطاعين العام والخاص، ولكن سنكتفي بهذه الثلاثة. توضيح العلاقة بين المواطن العادي والحراك الاقتصادي مهم لأن تفعيله وتجييشه وتحفيزه قد يكون أهم مصدر اقتصادي كامن، دعنا نراجع هذه العناصر تباعا. من الطبيعي أن يخاف الفرد حين يسمع أخبارا كثيرة متوالية أكثرها معقد ويتطلب التفكير حول تأثيرات من الدرجة الثانية والثالثة أحيانا، ما يجعلها معقدة حتى على المتخصص. كل عنصر يمس كل مواطن، إما مباشرة وإما غير مباشرة.
الحراك والتراكم الاقتصادي جعل الثروة الوطنية عالية جدا، يملك المواطنون تريليونات الريالات ممثلة في العقارات والأسهم والاستثمارات الخارجية وتراكم المعرفة والقدرات التنظيمية عند البعض. يصعب أن نضع رقما، ولكن قيمة الأسهم تصل إلى نحو تريليون ريال ونصف التريليون، والعقار يقدر بتحفظ أنه عشرة أضعاف قيمة الأسهم والاستثمارات الخارجية لا تقل عن ثلاثة تريليونات ريال "نقصد الثروات الخاصة"، سيقفز البعض إلى الناحية التوزيعية وهذه لا شك مسألة ملحة ليس في المملكة فقط ولكن في أغلب المجتمعات. ولذلك هناك دعم مؤثر حتى بعد ترشيده وهناك حساب المواطن للتعامل مع تأثير عقلنة الدعم. هذا نجاح للمجتمع مهما كان رأينا حول التوزيع. المصلحة المجتمعية في الحفاظ على الثروة مسؤولية الجميع، لأنها مورد للنمو ولكل مواطن حتى المحتاج في حال تطوير سياسات توزيعية مقبولة اقتصاديا وعطوفة على المحتاج. النمو الاقتصادي ما زال إيجابيا، خاصة إذا كانت النظرة بعيدة في الماضي، ولكنه بسبب الاعتماد على النفط ما زال متذبذبا على مدى العقود القليلة الماضية. لذلك على الرغم من التذبذب المزعج أحيانا خاصة على قطاع الأعمال إلا أنه حقق الكثير. تأتي "الرؤية" و"خطط التحول الوطني" لجعل النمو أكثر توازنا "تقليل الاعتماد على النفط" وأقل تذبذبا وتعميق القدرات البشرية. العامل الثالث هو التوظيف وهذا أصعب عامل لأنه أكثرها دورا للإنسان، بسبب الرغبة في النمو، خاصة أن القاعدة السكانية في المملكة كانت صغيرة وليست مستعدة للتغيرات التي جاءت مع الثروة المالية مع بداية السبعينيات أخذت المملكة بسياسة استقدام سهلة. هذه الحالة جعلت المملكة تبالغ في الاعتماد على العمالة الوافدة، ما أثر في الإنتاجية والتعليم. من حق المواطن أن يحصل على وظيفة مقنعة اقتصاديا "تعتمد على الموهبة والكفاءة والنشاط والمرونة والحظ"، ولكن لا بد من مراجعة دور الوافدين وهذا ما تعمل عليه الحكومة، ولكن الموضوع ليس سهلا، خاصة في ظل سقف توقعات كثيرين بتوظيف الحكومة لهم ومصالح القطاع الخاص الذي تريد الحكومة تشجيعه. تغيير من هذا النوع يتطلب مرونة أعلى من الجميع. رأس المال الدائم هو مواهب وقدرات أبناء وبنات الوطن. الاقتصاد علم غامض لأنه يدعي القياس بينما مادته البشر ونزاعاتهم غير العقلانية أحيانا. ما يفرق الدول أخيرا هو الهياكل المؤسساتية وقدراتها على التعامل مع قضايا التحولات الصعبة وتفهم أفراد المجتمع وصبرهم حتى إن بدا كثير من العناصر عصي الفهم والتحليل من ناحية والحاجة للتعاطف مع البعض لأسباب إنسانية.
جريدة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/03/14