الطموح والفلسفة
فواز بن حمد الفواز ..
أكملت قراءة كتاب عن الفلسفة الصينية القديمة وخاصة ما يسمى بالكنفوشيوسية ومدارسها المختلفة بما في ذلك من تلاعب بالألفاظ والكلمات للتقريب بين المادي والمعنوي من جهة وبين مركزية "الطريق" ـــ الطريق لدى الثقافة الصينية هو نهج العقل والخبرة للوصول إلى الحكمة والمحافظة عليه من خلال التعلم والممارسة بما في ذلك الطقوس واختلاف دور الدين كمفهوم ومركز اهتمام، مقابل المدارس الفلسفية الغربية بما ذلك من دور للأديان التوحيدية لاحقا والفقر الفلسفي في عالمنا. شغلنا الشاغل في بلادنا هو التحدي الحضاري والتنموي ولذلك تبادر إلى ذهني الربط بين الفلسفة وبين الحالة السعودية لدينا. حين يدخل المجتمع في حالة من الخلط بين الصعوبات الاقتصادية والتحديات الحضارية ولا يفرق بين توافر المال والحوافز الاقتصادية ولا يجد الإنتاجية أو الاعتماد على المواطن كعماد للحراك الاقتصادي ويجد صعوبة في التفريق بين خلاصة الموروث وطبيعة تحديات العصر ولا يفرق بين الكسب المالي والربح الاقتصادي تصبح الفلسفة ملجأ لمحاولة الفهم والخلاص. يقال إن الفلسفة هي علم البحث عن الحقيقة، ولذلك لا بد من توظيف الفلسفة ولكننا نرفض الفلسفة كمدخل للطرح الفكري والتعليمي وهذا حاجز آخر يعوق الحراك نحو الفهم والتبصر. ميدان الفلسفة على الأقل من ناحية عملية هو التفكيك والنقد والتروي.
عدم تنشيط العقل النقدي جعلنا عرضة للتبسيط والاستقطاب في سلم الموضوع الواحد. أصبح النقاش في غالبه ساذجا، أحيانا نبالغ في النواحي العملية دون قاعدة فكرية، وأحيانا أخرى نبالغ في النواحي الفكرية دون روح عملية. فهو يريد أن يحلق في الأفكار ولكنه يجد صعوبة وأحيانا يزدري النواحي العملية، فهناك نظرة غير صحيحة نحو المهنيين ــــ المقصود هنا أن المهنية ليست مرغوبة في قيمتها الجوهرية ولكن كوسيلة للارتقاء والكسب، لذلك تنتهي بعدم تراكم المعرفة وتمكين انتقالها. ولذلك تجد الطاقة المادية والمعنوية مبعثرة بينما هناك حراك وصرف أموال وسطحية علمية. لا أحد يستطيع فهم هذه التناقضات دون مرجعية فلسفية ولكننا نحارب الفلسفة، ونحتاج إلى فلسفة للتقريب بين المادي والمعنوي وللتفريق بين خلاصة الموروث ودوره في تكوين الأسس الثقافية وبين استحقاقات المستقبل. نحتاج إلى الفلسفة للتفريق بين الطموح والخطوات العملية من ناحية وتجاوز الخيارات السطحية من ناحية أخرى. نريد فلسفة تساعدنا عمليا كآلية للنقد والفهم والتقريب وترسيخ المفاهيم العلمية، ومن ناحية فكرية تساعدنا على إعادة قراءة الموروث ليكون قاعدة ثقافية لممارسة مختلفة.
إعادة قراءة الموروث لتأسيس قاعدة ثقافية ونهج وعمل فكري ضروري "في الدوائر المختصة" لأن التفكيك في ظل غياب قاعدة ثقافية وفكرية جديدة قد يصبح عبثا. نحتاج إلى تفكيك فلسفي، ولكنه دون قاعدة ثقافية وفكرية لن يجدي. أقصد بالتفكيك الفلسفي أن نقبل بكل جديد فكريا ونكسر كل حاجز إذا كان يعوق تقدم المجتمع، وللإبداع طريقة للتسلل والتصفية من خلال المنافسة في ظل الجدلية الفلسفية القائمة على العلم والارتقاء. عدم قبول الفلسفة أدى إلى قبول ضمني لدرجة من الفوضى تتمخض في ضعف المواءمة بين الفكر والعمل حتى بين الإستراتيجية والتكتيك "أحيانا ننجح ولكن سرعان ما يعود الخلط" بين السياسات والعلاقات العامة وبين المعرفة والمعلومة وبين التعليم والشهادة. هذه التحديات تتطلب إعادة تأطير النهضة السعودية التي بدأت قبل قرنين ونصف قرن. الاعتقاد بأننا سنصل إلى نموذج للتعامل مع تحديات التنمية وسياسة اقتصادية حصيفة بعيدة النظر دون مرجعية فكرية ونقاش عميق وجاد ضرب من الخيال.
في المدى القصير ينبغي للجامعات وخاصة الدينية إدخال تخصص مادة الفلسفة وإعادة إحياء النقاش والجدل الفلسفي بين الأقطاب الفلسفية الإسلامية مثل ابن رشد والغزالي وابن عربي وابن خلدون. التمكين المعرفي يمر من خلال الفلسفة وقبول المنافسة في كل نواحي الفكر وتقبل النقد، النواحي الفكرية أكثر قبولا للتلاقح والمنافسة والتعديل، ولكن حتى النواحي المادية تتطلب منافسة مقننة. والتقدم يتطلب إعادة تأطير القواعد الثقافية، وهذا يمر من باب الفلسفة بغرض البحث عن الحقيقة والتمكين والمرونة.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/04/04