علاقاتنا الإنسانية إلى أين؟
هيفاء صفوق
العلاقات الإنسانية جميلة وعميقة، تشبع النفس بالجمال والأنس والدفء والحميمية، تبعد عنا الفراغ والوحدة والانزواء.
لا يستطيع الإنسان الابتعاد كثيراً عن الآخرين، وإلا أصابه الاكتئاب والضيق والضجر، على رغم أننا أحياناً نلجأ إلى الوحدة قليلاً لإعادة تنظيم أنفسنا ومتطلبات ذواتنا.
لا بد أن تكون المعادلة في العلاقات باختلاف أنواعها متوازنة، إذ إن ذلك يجعلنا متواصلين مع من نحب، وفي الوقت نفسه هناك أوقات لنا نعيد فيها لأنفسنا السكون.
هذه العلاقات، سواءٌ أكانت عائلية أم اجتماعية أم مهنية، لها أسس ومبادئ؛ أولها الاحترام، إن تبلورت على مبدأ الاحترام فستكون قوية ومتينة مهما حدث من اختلافات في وجهات النظر أو القصور في العلاقة، لأن ما يجمعنا أشياء عميقة جداً، عِشرة وعمر ومودة ومحبة وتعاون وتبادل في كل شيء. الاحترام يجعلنا مع بعضنا، سواءٌ أكان ذلك في الحديث أم الكلام أم النقاش، موضوعيين، فلا نسقط وجهات نظرنا كما نرغب على الآخر، ندرك كيف نعبر عن مشاعرنا ومفاهيمنا الخاصة أو وجهة نظرنا في الحياة، من دون أن نجبر الآخر عليها، لكن للأسف ما يحدث أحياناً يتسبب في حال من الفوضى والعداوة والخصام، لأن بعضنا لا يعجبه رأي الآخر أو طريقة حياته أو أسلوبه، فيبدأ في محاولة التدخل فيه إلى درجة أنه يريد أن يغير الآخر كما يرغب هو وكما يقتنع، ما يجعل الكل في حال من الحرب والمناقشات الفارغة والحادة، التي تنتهي بتلفظ يخرج من دائرة الاحترام والوقار إلى حال من الانفعال وعدم التوازن، لا في الأسلوب ولا في الطرح ولا في التعامل نفسه، حتى يصلوا إلى طريق مسدود، وقد أجبروا أنفسهم بكبرياء على القطيعة والابتعاد أو، إن صح التعبير، هو الهرب وعدم النضج النفسي والاجتماعي، وتمسك كل طرف برأيه وعصبيته، فكم من عوائل خسرت صلة الرحم لأسباب تافهة جداً لا تستدعي تلك القطيعة، وكم من صداقات انتهت بسبب عدم احترام رأي وقناعة الآخر، نسف تاريخ طويل من العشرة والمحبة والمودة التي كانت بينهم بمجرد الاختلاف في وجهات النظر، أو الفهم الخاطئ أو عدم تبرير ظروف الآخر، وهذا يجعلنا نتساءل؛ لماذا يحدث ذلك؟
ربما نُصاب في علاقاتنا الإنسانية بتوهم أشياء عدة، منها أننا نحن من يمتلك حقيقة الأشياء، ونحن من يدرك كيف تكون، ونحن من لديه الحق فقط من دون مراعاة الآخر، لذا نصاب بالغرور بما نملك من وجهات النظر أو مفاهيم تتوارى لأنفسنا أننا «نحن الصح وعلى صواب»، ونحول ذلك إلى قانون لا يتجزأ ولا يقبل النقاش، وليتنا نقف هنا، بل نتمادى في تجريد الآخر من حقوقه الفكرية أو حتى الحياتية، وهذا للأسف ما يجعلنا نخسر صداقات طويلة بسبب الجهل وعدم احترام طريقة حياة الآخر كما يريد.
بعضهم تشاهدهم في المناقشات الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية تحولوا إلى مهاجمين، كل معه أدواته وأسلحته لكي يقمع الآخر، لا أحد يستمع إلى الآخر، الكل يستمع إلى رأيه، ولا يعطي مجالاً للآخر ليتحدث بما يؤمن وما يرغب، وإن استمعنا قليلاً كان هجومنا فيما بعد «قاسياً» ونقدنا «حاداً»، وهذا عيب فينا، ولو هدأنا قليلاً لتعلمنا شيئاً أعمق؛ بأننا «مختلفون في ما نؤمن به» من مفاهيم أو وجهات نظر، فنحن لسنا نسخاً من بعضنا، كل منا له تجربته في الحياة، وكل منا له ثقافته التي يثق بها، وهذا هو الطبيعي وهذه هي الحياة متنوعة ومتغيرة.
الحياة أبسط من ذلك، كل منا له عالمه الخاص وفكره ووجهة نظره، اختلافنا عن بعضنا لا يعني أن نلغي علاقاتنا وأن نهجر بعضنا ونتحول إلى أعداء، أو تتحول نظرتنا إلى الآخر إلى نظرة دونية واتهام، كل منا يمر بمرحلة «وعي» خاصة ومناسبة له، وهذا لا يخولنا أن نقحم الآخرين بما نؤمن نحن فيه، وهنا دور الوعي جداً مهم أن نتفهم ذلك من دون إسقاط أو تهميش أو إجبار الآخرين على ما نرغب نحن فيه.
صحيفة الحياة
أضيف بتاريخ :2017/04/19