«الابتدائية».. هل يُرادبها خيرًا؟!
محسن علي السهيمي
تأتي أهمية المرحلة الابتدائية من كونها الركيزة الأولى في مسيرة الطالب التعليمية، والمنطلق الحقيقي له، والحاضنة الأولى التي تتشكل فيها مهاراته، ويَكتسب فيها معارفه. المرحلة الابتدائية بمثابة التربة التي تبدأ منها مسيرة حياة النبتة، وهناك فرق بين تربة طينية ترهق المزارع ولا تنبت الزرع، وتربة رملية غير صالحة للزراعة، وتربة بينية -بين الطينية والرملية- وتسمى (السلتية) وهي تربة جيدة تريح المزارع وتنبت الزرع. ولقد كانت المرحلة الابتدائية قبل عقد ونصف العقد بمثابة التربة (البينية) التي تريح المعلمين وتخرِّج طلابًا لديهم مهارات مكتسَبة، وحصيلة معرفية جيدة، غير أنه خلال العقد والنصف الأخيرين أصبحت الابتدائية بمثابة التربة (الرملية) التي لا تحتفظ بالماء والمواد الغذائية ولا تُنبت زرعًا .أمورٌ عديدةٌ تآزرت عليها حتى أتت على كل فائدة تُرجى ونفع يؤمَّل، ومن تلك الأمور: أولاً- إقرار ما يسمى بـ (التقويم المستمر) الذي جيء به بديلاً -غير ناجح- للاختبارات التحريرية، هذا التقويم حار فيه المعلمون، وارتاح له الطلاب، وخُدِع فيه أولياء الأمور، وتورطت فيه المؤسسة التعليمية. التقويم المستمر وإن كانت أهدافه جيدة إلا أنه يصعب تحقيقها، ويصعب الحكم على مهاراته بمقاييس عائمة تشكل الذاتية جزءًا كبيرًا في الحُكم عليها. التقويم المستمر أشبه ما يكون بجسرِ عبورٍ لترحيل الطلاب إلى مراحل أبعد دون مرورهم بنقاط فحص وتمحيص حقيقية. ولمَّا أن أحست الوزارة بمرارة النتائج وخداج المُخرَج بدأت في محاولات (الترقيع) دون أن تعترف بقصور التقويم المستمر وتسعى لإلغائه؛ فنراها تُقر اختبارات (هزيلة) لتشكل جزءًا من عملية التقويم تحت ما يسمى (اختبارات فترة) مع علمها أنه لا يؤخذ بنتائجها، ثم تأتي بما يسمى اختبارات (حَسِّنْ) وهي الاختبارات التي يتم تداولها بين المعلمِين وبين الطلاب مسبقًا فتفقد قيمتها، بل إنه لا يترتب عليها نجاح أو رسوب، ولا تستفيد الوزارة منها في قياس مستوى أو إصدار حُكم، وكأني بالوزارة وهي تعيد الاختبارات بشكل جزئي هزيل نسيت أو تناست أن من مبررات إلغائها الاختبارات واعتمادها التقويم المستمر الحفاظ على (نفسيات) الطلاب -حفظهم الله- واعتمادُها هذا النوع من الاختبارات يعني أنها لم تعد تؤمن بقضية (الحفاظ على نفسيات الطلاب)، وأنها أدركت خطأ إلغاء الاختبارات، وتريد أن تتراجع لكنها لم تهتدِ إلى طريق العودة، أو أنها (في حرج) من قضية العودة للاختبارات. الأمر الآخر الذي جعل من المرحلة الابتدائية بمثابة التربة الرملية هو اعتماد الوزارة مقرر (لغتي الجميلة) أو ما يسمى بـ (المُدخل التكاملي) بديلاً غير موفق لمقررات اللغة العربية (القواعد والقراءة والإملاء..إلخ) وهي ما كان يسمى بـ (المُدخَل التفريعي). فلا تسأل عن هزال المُخرَج الطلابي؛ فلا القراءة يستطيعون، ولا الكتابة يتقنون، ولا الإعراب يجيدون، ولا التعبير يحسنون. ومن أراد الاستزادة فليعد لمقاليَّ (الوهن يضرب قواعد النحو - أدركْها يا معالي الوزير). لا أجد حرجًا في القول بأن وزارة التعليم بإقرارها التقويم المستمر للمقررات جميعها، وإقرارها المُدخَل التكاملي للغة العربية أتت -بقصد أو بدون قصد- على كل ما يخدم العملية التعليمية ويرقى بمستوى طلاب هذه المرحلة المغلوب على أمرهم، فأصبح الجميع (معلمين وطلابًا وأولياءَ أمور) يدورون في حلقة مفرغة، لا يقفون على أرض صلبة، ولا يثقون في غايات هذه الخطوات، ولا يطمئنون لجودة مُخرجاتها، ويتساءلون: هل حقًّا يُراد بالمرحلة الابتدائية خيرًا؟!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/05/10