المصانع المتعثرة في حاجة لحاضنات
محمد أحمد بصنوي
تواجه المملكة تحديات كبيرة في ظل انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014، لما يقارب الـ50 دولارا بعدما كان تخطى حاجز الـ100 دولار، وأثر هذا بشكل واضح على الميزانية في عام 2016، حيث وصل إجمالي العجز 79 مليار دولار، وهو ما أدى لقيام الحكومة بسحب جزء من الاحتياطي النقدي، وطرح بعض السندات للبيع لسد عجز الموازنة، والقيام ببعض الإجراءات التقشفية والإصلاحات الاقتصادية التي رحب بها بعض الاقتصاديين وشكك بها البعض الآخر.
ولعل الخيار الذي تسعى الحكومة لتطبيقه لسد عجز الموازنة هو العمل على البيع الكلي أو الجزئي لشركات القطاع العام (الخصخصة)، بحجة أن هذه الشركات تحقق خسائر، فبحسب نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري أن الحكومة تتوقع جمع 200 مليار دولار في السنوات المقبلة، عبر بيع أصول حكومية في قطاعات تمتد من الرعاية الصحية، وحتى المطارات، وتهدف الحكومة من خصخصة هذه القطاعات إلى تقليل مصروفات الدولة، وبالتالي تقليل عجز الموازنة العامة.
في الحقيقية ليست شركات أو مصانع القطاع العام فقط هي التي تحقق خسائر، فهناك ما يقرب من ألف مصنع بالقطاع الخاص متعثر، فهل يكون الحل أيضا خصخصة مصانع القطاع الخاص المتعثرة لخروجها من الأزمة؟ بالطبع أمر غير منطقي خصخصة شيء ملك للقطاع الخاص، الحل يكون بإيجاد آليه تخرج هذه المصانع والشركات من الأزمة التي تمر بها، مما يعود على هذه الشركات وبالتالي الوطن بالنفع والخير بإذن الله.
خروج هذه الشركات من تعثرها يكون من خلال حاضنات الأعمال المعنية باحتضان المشروعات وتوفير عدد من الخدمات لها، في مقدمتها الإشراف الإداري ووضع خطط لها لتسويق منتجاتها. وفكرة الحاضنات مستوحاة من الحاضنة التي يتم فيها وضع الأطفال غير مكتملي النمو من أجل تخطي صعوبات الظروف الخاصة المحيطة بهم، عن طريق تهيئة كل السبل من أجل رعايتهم، ثم يغادر الوليد الحاضنة بعد أن نتأكد من صلابته وقدرته على النمو والحياة الطبيعية وسط الآخرين، ولك أن تعلم أن حاضنات الأعمال تعمل على تهيئة المناخ المناسب وتوفير كل الإمكانيات التي تعمل على تسهيل نجاح أي مشروع، وتعمل على ربط المشروعات مع السوق، وتوفير التدريب للموارد البشرية مما يساهم في حل مشكلة البطالة، وتساعد المشروعات على تخطي المشكلات والمعوقات الإدارية والمالية والفنية التي يمكن أن تتعرض لها.
أقيمت حاضنات المشروعات في الأساس لمواجهة الارتفاع الكبير في معدلات فشل وانهيار المشروعات، وقد أظهرت بعض الدراسات أن قرابة 80 -90% من المشروعات تفشل خلال الخمس السنوات الأولى من بداية نشاطها، نتيجة لقيامها على اجتهادات شخصية بعيدة عن الجانب التخطيطي والاستشاري، وأثبتت حاضنات الأعمال قدرتها على رفع نسبة نجاح المشروعات، حيث أشارت تقارير الجمعية الأمريكية للحاضنات إلى أن معدلات نجاح واستمرارية المشروعات المقامة داخل الحاضنات وصلت إلى 88% مقارنة بنسبة النجاح التقليدية المنخفضة لهذه المشروعات، وبالتالي فإن دعم المشروعات ورفع فرص نجاحها يعتبر الوظيفة الأولى للحاضنات، ويتم ذلك من خلال توفير كل أنواع الدعم المالي والإداري والتسويقي، والرعاية لهذه المشروعات في مرحلة النمو.
وتذكر الدراسات أن أول حاضنة مشروعات أقيمت في اليابان عام 1982، حيث قامت الحكومة والشركات الخاصة الكبيرة بتنفيذ وإقامة أولى الحاضنات، ثم قامت بعد ذلك إدارة المدن والأقاليم المختلفة بإقامة عدد آخر من الحاضنات، وفيما يخص البرنامج الصيني للحاضنات فقد بدأ هذا البرنامج فعليا عام 1987.
لم تتوقف منظومة الحاضنات عن التطور حتى أصبحت اليوم تمثل صناعة قائمة بذاتها يطلق البعض عليها «صناعة الحاضنات»، وإذا نظرنا إلى تطور الحاضنات كصناعة في العالم نذكر أن هناك حاليا حوالي (3500) حاضنة أعمال في مختلف دول العالم، منها حوالي ألف حاضنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمتلك الصين 465 حاضنة، وكل من كوريا الجنوبية والبرازيل حوالي 200 حاضنة لكل منهما.
وأخيرا، فإن حاضنات الأعمال ستواجه مشاكل المصانع التي تتعثر، وستحل مشكلة عدم التنسيق بين الوزارات المختلفة التي تعرقل عمل الكثير من المشاريع الصناعية، ولذلك فإن هذه التجربة تستحق منا الدراسة، فليس عيبا أن نستفيد من تجارب من سبقونا، لكن العيب وكل العيب أن نكرر أخطاءنا مرة واثنتين، بحجة أننا أدرى بمشاكلنا.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/05/27