تساؤلات نفطية
فواز بن حمد الفواز
متى نستغني عن النفط؟
هل يكون ذلك بعد 12 عاما .. هنا لدي تساؤلات منها أن المستقبل نادرا ما يتطور بما نخطط له لأسباب خارجة عن إرادتنا وأيضا بسبب تجارب الآخرين الأطول تجربة والأعمق اقتصاديا، واستمرار دور المصادر الطبيعية في اقتصادياتهم. التجربة الوطنية تحمل من الإنجازات والإمكانات ما يجعلنا متحمسين لكن صعوبة المهمة والتركيز المالي على حساب الاقتصاد وخطر استهلاك المصداقية يقف في وجه تبسيط التوقعات. في ظل هذه الحالة لابد من الاستمرار في متابعة الشأن النفطي باهتمام بالغ لأسباب مالية واقتصادية خاصة أن هناك بدايات ضغط على مركزية النفط في الطاقة وأيضا بسبب الهجمة المنظمة ضد الطاقة الأحفورية، كما أن هناك تحولا اقتصاديا آخر -انتقال القيمة الاقتصادية من الماديات إلى المعرفة والمعلوماتية والقدرات التنظيمية ومدى التمكن من درجة التشابك العالمية. دور النفط في الطاقة ودوره في تمويل الاقتصاد الوطني ما زال مهما وسيبقى مهما على الأقل لأكثر من عقد، فمثلا ما زال الفحم يوظف لتوليد 30 في المائة من الكهرباء في أمريكا حتى بعد النقص المؤثر بعد إنتاج كميات كبيرة من الغاز في السنوات العشر الماضية. التحولات في مصادر الطاقة تأخذ عقودا لكن التغير أيضا في العالم المادي غالبا لا يأخذ خطا مستقيما.
أتى اجتماع "أوبك" ليؤكد الحاجة إلى استمرار التعاون حتى في ظل عدم أهمية "أوبك"، فالسوق تغيرت بعد أن أصبحت دول "أوبك" تنتج أقل من 40 في المائة من الإنتاج العالمي، فالزيادة في العرض في السنة الأخيرة جاءت في غالبها من كندا وأمريكا والبرازيل وروسيا، ولذلك فإن أي نقص في إنتاج "أوبك" سيستغل من دول أخرى عدا أنه سيكون سببا للغش بين دول "أوبك"، فإنتاج كندا أكثر من إنتاج العراق قليلا، وإنتاج البرازيل يعادل تقريبا إنتاج الإمارات. أحد أهم عوامل التغير في الصناعة النفطية، وهناك تناقص في تكلفة الإنتاج ليس في النفط الصخري وحده لكن حتى في بحر الشمال وكندا، حيث ذكر عديد من المختصين أن الأسباب تعود إلى دور تقنية المعلومات خاصة الاستشعار الجيولوجي والحفر، هذه العوامل مجتمعة زادت من إنتاجية استخراج النفط. كما أن هناك تحولا كبيرا نحو الغاز فشركات مهمة مثل شل والبريطانية اتخذتا توجها للغاز أكثر من النفط وأخيرا دخلت السيارات الكهربائية مرحلة مهمة من القبول وكذلك المواقف من البيئة وصلت مرحلة يصعب التراجع عنها طبقا لتحليل موسع نشرته "فاينانشيال تايمز" قبل أسبوعين تقريبا على الرغم من تعثر محادثات دول مجموعة السبع الأخيرة.
طبعا لو قلصت المملكة مع آخرين الإنتاج فإن الأسعار سترتفع لكن عوائد المملكة قد لا ترتفع. لذلك الأحرى أن تستمر المملكة في سياسة التعاون الحذر ومتاعبه وتقليص الفائض "المخزون" في السوق لحين إعادة التوازن بين العرض والطلب خاصة أن الدورة النفطية عادة ما تتميز بأن مدة الارتفاع في الدورة أقل من مدة الانخفاض ولذلك ليس هناك حل سحري في ظل تزايد قاعدة المصدرين وعدم القدرة على التنسيق بينهم. هناك توجه ولو أنه بطيء في تقليص الفائض ولذلك سترتفع الأسعار تدريجيا بعد أن سجلت ارتفاعا بنحو 14 دولارا للبرميل مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. وقد يكون الارتفاع مؤثرا لأسباب فنية إذا استمرت التوجهات الحالية أو حتى أسرع لأسباب سياسية في أماكن أخرى من العالم خاصة أن الدورة النفطية أقصر في الارتفاع منها في الانخفاض. الأهم أن يستمر التحول الاقتصادي في ظل مراعاة مالية حصيفة تركز على الوضع الداخلي استثماريا. تقلبات أسعار النفط تتطلب حرصا ماليا وتغيرات دور النفط تتطلب يقظة اقتصادية. الأمل ألا نخلط بينهما فنفقد السيطرة على كليهما.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/05/30