البراءة من أعداء القراءة!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
القِرَاءَة مُفتَاح العلُوم، وهي تُمثِّل النَّافِذَة الذي يَفتحهَا العَقل عَلَى الدُّنيَا، فبِالقِرَاءَة نَنمو، وبالقِرَاءَة نَتدَاوى، وبِالقِرَاءَة نَتسلَّى، وبالقِرَاءَة نَتعلَّم، وبِالقِرَاءَة نَتدرَّب كَيف نَتكلَّم.. كُلُّ هَذا مَعلوم لَدى غَالبيَّة النَّاس، ولَكن مَا قَد يَخفَى عَلى البَعض، هو أنَّ هُنَاك مَا يُسمِّيه أَهل الخِبرَة: «مُعوِّقَات القِرَاءَة»، التي لَخَّصوهَا فِيمَا يَلي:
أوَّلاً: نَقص الثَّقَافَة، ونَعنِي بِهِ تِلك الحَوَاجِز المَعرفيَّة، التي تَمنَع الإنسَان مِن فَهم النَّص، وإذَا أَردنَا مِثَالاً عَلَى ذَلك، لَكَ أَنْ تَتخيَّل طَالِباً فِي الصَّفِّ السَّادِس، يُحَاول أنْ يَقرَأ قَصيدَة للشَّاعِر «امرئ القيس».. إنَّه سيُحَاول فَهمهَا، ولَكنَّه سيَعجز عَن ذَلك، وفِي هَذَا ضَررٌ عَلَى القَارئ، وإسَاءَة للمَقرُوء، لذَلك مِن الجَيَّد أَنْ يَقرَأ الإنسَان مَا يُنَاسب مَرحلته الفِكريَّة، قَبل أَنْ يَقفز إلَى غَيرهَا..!
ثَانياً: الأحكَام القَبْليَّة أَو المُسْبَقَة، ونَعنِي بِهَا أَنْ يَتَّخذ القَارئ مَوقفاً مُسبَقاً مِن الكَاتِب، قَبل أَنْ يَقرأ لَه، وهَذا الحُكم كَوَّنه مِن خِلال حَديث النَّاس عَن الكَاتِب، أَو الشَّائِعَات التي تُبثّ حَوله؛ فِي وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي، وكَثيرٌ مِن النَّاس يَعتَذر لِي بشَكلٍ يَومي، قَائلين: (سَامحنا لقَد كُنَّا نَحمل عَنك تَصوُّراً سَيّئاً، وعِندمَا قَرأنَا لَك، تَغيَّرت صُورتك فِي أَذهَانِنَا)..!
ثَالِثاً: مُنَافَاة العَصر، وهو أَنْ يَشعر القَارئ بأنَّ النَّصّ المُعَاصر الذي يَقرَأه، لَا يُنَاسب حيَاتنا المُعَاصِرَة، وفِي هَذا ظُلمٌ وبُهتَان، وعُدوَان عَلَى كُلِّ نَصٍّ مُعَاصِر..!
رَابِعَاً: مُنَافَاة القَديم، وهَذَه المُنَافَاة نَقصد بِهَا، عَكس الأَمر الثَّالِث، حَيثُ يَعتَقد البَعض أَنَّ النَّصّ الذي كُتِب قَديماً، لَن يَحمل أَي فَائِدَة للعَصر الحَديث، وفِي هَذا ظُلمٌ للنَّصِ القُديم، وتَحميله أَمراً فَوق طَاقَته، فكَم مِن نَصٍّ قَديم، مَازَال يَعيش بَيننَا، وكَم مِن نَصٍّ مُعَاصر، مَات فِي نَفس اليَوم الذي وُلِدَ فِيهِ..!
خَامِسَاً: مُنَافَاة المَذْهب، وهو أَنَّ بَعض القُرَّاء يَمتَلكون غَباءً عَريضاً، حَيثُ لَا يَقرأ إلَّا لمَن يَتَّفق مَعه فِي المَذهب، أَو الطَّائِفَة، أَو العَقيدَة، ومِثل هَذا القَارئ، يُعتبر قَارِئاً مُعَاقاً، لأنَّه يَبحَث عَن الأَفكَار التي تُؤيِّد قَنَاعَاته ومُسلَّمَاته، لذَلك هو يُكرِّر نَفسه مِن غَير أَن يَشعر، وهَذه طَريقَة مِن طُرق تَوليد الغَبَاء، وقَد صَرخ أَديبٌ كَبير -ذَات يَوم- قَائِلاً: (أَنَا لَا أَقرَأ إلَّا لأُولَئِكَ النَّاس؛ الذين أَختَلف مَعهم)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نَقول: إنَّنا سُجنَاء دَاخِل قَنَاعَاتنا ومُسلَّماتنَا وأَفكَارنَا، ولَن نَكسر هَذه القيُود والسَّلَاسِل، إلَّا عَبر بَوَّابَة القِرَاءَة الحُرَّة، فعقُولنا مِثل مَظلَّات الإنجليز، لَا تَنفَع إلَّا إذَا فُتِحَت..!!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/08/02