إسرائيل تناور لمواجهة حزب الله... «الجيش الثاني في الشرق الأوسط»!
علي حيدر
لا يتحدث العدو عن حرب لبنان الثالثة بل عن حرب الشمال على الجبهتين السورية واللبنانية (أرشيف)
أغرب ما في مناورة الفيلق الشمالي لجيش العدو أنه يناور لرفع مستوى استعداداته لمواجهة حزب الله. وفي الوقت نفسه، قادته وجنوده مسكونون في أعماقهم بعدم إمكان هزيمة الحزب. والمفارقة أن هذا الاقتناع الذي عبَّر عنه قادة المناورة، يأتي بعد نحو خمس سنوات من قتال حزب الله للجماعات التكفيرية في الساحة السورية التي كان يفترض، وفق الرهانات الإسرائيلية، أن تستنزفه وتضعفه، لكنه تحول بنظر قادة جيش العدو أنفسهم إلى جيش أكثر احترافاً وتصميماً
بدأت إسرائيل مناورة فيلقية هي الأولى من نوعها، منذ 19 عاماً، على حدودها الشمالية. ومع أن المناورة تأتي في سياق مهني عسكري، وترجمة لإحدى مراحل خطط رفع مستوى الجاهزية والاستعداد، إلا أنه يغلب عليها التوظيف السياسي، وهو ما حضر في مقاربة وسائل الإعلام الإسرائيلية، بشكل بارز.
في هذا الإطار، حرص العديد من التقارير الإعلامية على تقديم المناورة كما لو أنها تعبير عن انتقال الجيش من مرحلة الردع إلى الحسم في أيّ مواجهة قد تنشب بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله.
وبلحاظ الظروف السياسية الإقليمية الحالية، باتت إسرائيل أحوج ما تكون إلى رسالة بهذا الحجم، في ضوء الإقرار بفشل رهاناتها وخياراتها التي اعتمدتها في مواجهة حزب الله وسوريا، خلال السنوات الماضية. وتجسدَ ذلك في مروحة التقارير التي بثّها العديد من المعلقين العسكريين. لكن الرسالة ــ الهدف بدت أكثر ظهوراً في مقالة المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل، الذي أكد أن حزب الله يعلم باستعدادات الجيش للمناورة، ومن المتوقع أنه سيحاول بكل ما يستطيع حل ألغاز خطط الجيش واكتشاف قدراته. أضاف أن «إسرائيل تريد استغلال المناورة من أجل توجيه رسالة ردع لحزب الله». على هذه الخلفية، بات واضحاً أن إسرائيل وقعت في فخ المبالغة في الدعاية على حساب المهنية التي كان يفترض أن الجيش الإسرائيلي يتمتع بها. لكن بهدف تحسين الصورة، وتحصين مناعة الجمهور الإسرائيلي، يصبح كل شيء مباحاً.
مع ذلك، وفي أعقاب تحقق أحد أسوأ السيناريوات التي لم تكن تتوقعها للمشهد الميداني السياسي في سوريا، انقلبت إسرائيل على المقولة التي دأبت على الترويج لها خلال السنوات الماضية، بأن وضعها الاستراتيجي بات أكثر مناعة وقوة من أي مرحلة سابقة.
واستندت في هذا التقدير إلى تراجع الجيوش النظامية المحيطة بها، إما بفعل اتفاقيات التسوية (مصر والأردن) أو نتيجة الحروب التي شهدتها الساحتان السورية والعراقية. لكن مناورة الفيلق الشمالي تجسد انقلاباً حاداً على هذا التقويم الاستراتيجي، وتهدف إلى الاستعداد للتهديدات التي تؤكد أنها ستصبح أكثر تسارعاً في المرحلة المقبلة، نتيجة انتصار محور المقاومة في سوريا والمنطقة. وهو ما حضر في خلفية تلميح المعلق العسكري لصحيفة هآرتس، الذي رأى أن «مناورة الفيلق الشمالي تعكس عدداً من التحولات التي شهدتها الحدود الشمالية خلال العقد الماضي».
تحاكي مناورة الفيلق الشمالي، التي تعتبر إحدى أكبر المناورات في تاريخ الجيش الإسرائيلي، حرباً شاملة في مواجهة حزب الله، يشارك فيها 30 ألف جندي نظامي واحتياطي. وتستمر، بحسب القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، 11 يوماً، وتحمل اسم «نور هدغان» في إشارة إلى اسم رئيس الموساد السابق «مئير دَغان» الذي كان قائد الفيلق الشمالي. وآخر مناورة فيلقية أجراها الجيش كانت في عام 1998. تشارك في المناورة عدة فرق عسكرية ونحو 30 لواءً وعشرات السفن وطائرات سلاح الجو.
ومع أن الهدف المعلن للمناورة، كما أشارت قنوات تلفزيونية إسرائيلية، هو هزيمة حزب الله، إلا أن المعلق العسكري في القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، أور هيلر، أكد نقلاً عن قادة المناورة أن أجوبتهم لم تكن قاطعة حول إمكان هزيمة حزب الله، وسلبه إرادة القتال. واستناداً إلى ذلك، تساءل هيلر حول إمكان إلحاق هزيمة بمنظمة «هجينة» تقوم على الفكر الديني. ووضع عدة مستويات لمفهوم هزيمة حزب الله، متسائلاً حول معنى ذلك؛ هل تعني هزيمته المفترضة تصفيته كفكر، أو كمنظمة أو كلاعب في لبنان؟
بدا واضحاً أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحولت إلى بوق دعائي للمناورة، التزاماً بالصورة التي حرص الجيش على تظهيرها.
ثمة في جيش العدو مَن يصف حزب الله بأنه «الجيش الأقوى في الشرق الأوسط بعد الجيش الإسرائيلي»
لكن المعلق العسكري في القناة العاشرة، الذي أكد أنه اطّلع على خطط المناورة، عاد وأكد في تقريره أنه لا يستطيع القول «ما إذا كان المستوى السياسي سوف يأمر الجيش في الحرب القادمة بضرورة هزيمة حزب الله». ولفت إلى أن لهذا الأمر أهمية كبيرة، كونه «يُحدد مدة بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان». ويمكن التقدير أنه قصد بذلك أنه لا يمكن هزيمة حزب الله بحرب خاطفة، بل سيتطلب ذلك من الجيش الإسرائيلي أن يبقى في لبنان مدة طويلة، وهو الذي سبق أن جرّبته إسرائيل ولم تنجح فيه.
في ضوء ما تقدم، يصبح مفهوم النصر الذي يناور الجيش لتحقيقه، كما حدّد قائد الفيلق الشمالي اللواء تايم هيمن، أكثر غموضاً، خاصة أنه على المستوى النظري قد ينطبق على مروحة واسعة من الأهداف والنتائج التي يمكن أن تتحقق، بدءاً من إلحاق الأضرار المادية المحدودة المفاعيل، وصولاً إلى الحسم العسكري الذي تجهد إسرائيل لإعادة إحيائه على مستوى الخطاب السياسي والدعائي.
في المقابل، لفت المعلق السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشع، إلى «أنهم في الجيش الإسرائيلي لا يتحدثون عن حرب لبنان الثالثة، بل عن حرب الشمال على الجبهتين السورية واللبنانية»، وهو ما يؤكد حضور التطورات الميدانية والسياسية التي شهدتها الساحتان السورية والإقليمية في خلفية قرار مناورة بهذا الحجم. ويعزز ذلك أيضاً التقدير إزاء مستوى التهديد الذي بات أكثر حضوراً وتجذّراً في وعي صنّاع القرار السياسي الأمني في تل أبيب.
في السياق نفسه، نقل موقع يديعوت أحرونوت عن أن هناك في الجيش الإسرائيلي مَن يصف حزب الله بأنه «الجيش الأقوى في الشرق الأوسط بعد الجيش الإسرائيلي»، موضحاً أن «حزب الله قادر على إدارة معركة على مستوى لواء، مع استخدام الطائرات المسيّرة الهجومية، وجمع المعلومات الناجعة عبر الدمج مع الأنفاق والكهوف الهجومية، وتفعيل نيران مدفعية إلى جانب استخدام الدبابات وكذلك تجميع قوات مدربة بسرعة بحجم 4000 مقاتل خلال فترة زمنية قصيرة في منطقة التجمع، كما فعل في إحدى عملياته الأخيرة ضد داعش». وكشف الموقع بذلك عن حجم متابعة الجيش الإسرائيلي للمعركة التي خاضها حزب الله ضد داعش، والدلالات التي انطوت عليها على المستويين العملاني والتكتيكي. ويأتي هذا التقويم امتداداً لتقديرات سبق أن كشفها قادة عسكريون وخبراء إسرائيليون لفتوا فيها إلى أن حزب الله تحول بعد مشاركته في القتال على الأراضي السورية إلى جيش أكثر احترافاً وقوة وخبرة.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/09/05