عناق المعارف لا يأتي بسوء
عبدالله فدعق
اهتمام كثير منا بالتجديد والإبداع ضعيف جدا؛ ولهذا أسبابه المتنوعة، وتأتي في مقدمتها (السطحية)، وفي نفس الوقت (الضحالة) التي ابتلي غالبية الناس بها، و(التبعية العمياء) للغير، وكل هذا جلي وواضح، وفي كل مناحي الحياة، والحق أن الدين الحقيقي عندما يتعمق الإنسان فيه، يجده على الضد تماما من هذه الشكليات، وأنه لا يعير أي اهتمام للمظاهر البراقة الخداعة، وأنه دين يصب في مصلحة ترقية السلوك الإنساني، وأنه يميل إلى كفة عدم التخلف، وعدم الاستمرار في التقاليد العقيمة، التي استعبدت الناس، مع أن أمهاتهم قد ولدتهم أحرارا..
يقول إيليا أبو ماضي في أبيات جميلة له، من قصيدة عنوانها (فلسفة الحياة):
«والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا..
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كن جميلا تر الوجود جميلا»..
ومن معاني القصيدة الرائعة أن الذي بغير حب لن يرى إلا القبح والبغضاء، ولن تتسع دائرة حياته لشيء حوله، ويُخشى عليه من عدم إدراك أن الحب بين العباد وبين خالقهم سبحانه وتعالى حب متبادل، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض»..
العاقل في هذا الكون الفسيح عليه أن يرتفع فوق كل ما هو شكلي أو مظهري، وعليه أن يمكن عقله من أداء دوره الفاعل في تطوير نفسه ومن حوله، وعليه أن يفكر في النوعية والكيفية، وعليه أن يجعل (معارفه العقلية) متعانقة مع (معارفه الروحية)؛ بمعنى أن يبحث عن البراهين جنبا إلى جنب مع تنمية العواطف، وإلا أصبح بليد الطبع، متحجر العواطف، وصار صاحب قلب كالحجر، بل أشد قساوة؛ والقسوة شقيقة التعسير والتشدد والتطرف والتنطع، وكلها مجتمعة ومتفرقة ضد الحياة الهانئة، والعيش السوي، وضد إسعاد البلاد والعباد.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/10/15