وزارة التعليم: مشروع إغضاب الوالدين
لمياء باعشن
خرجت من المكتبة وأنا في قمة الغضب، فقد أفسد حنيفة، العامل الفني في المكتبة، مشروع طفلي الذي كان سيشارك به في برنامج (المخترع الصغير). كنت قد أضعت وقتاً طويلاً في شحذ قريحتي كي أصل إلى فكرة هذا المشروع، ثم حملتها من مكتبة إلى أخرى حتى عثرت على حنيفة، وقد بهرتني براعته في العمل بالفلين من خلال الأشكال البديعة التي ملأت المكتبة، فاستودعته فكرتي، ودفعت المبلغ المطلوب. لكنني حين عُدت لاستلام المُجسّم، أصابتني خيبة أمل كبيرة، فالتنفيذ لم يكن على المستوى الذي توقعته.
كل المشاريع التي تطلبها المدرسة، أقوم بها أنا إن استطعت، لكن حين يُطلب من طفل صغير في الصف الثاني الابتدائي أن يخترع مجسماً يشرح عملية رياضية، فالتنفيذ يصبح أكبر من قدراتي. كل يوم، وفي دفتر لغتي، يشجع الأستاذ طلابه أن يزينوا الصفحة برسومات، ويمتدحها في ملاحظاته لأنها فعلاً جيدة، وكيف لا تكون جيدة وأنا التي أقوم برسمها وتلوينها. صغيري ليس لديه وقت كافٍ ليرسم في دفتر الكتابة، فهو مثقل بكتابة الواجبات، وقراءة الدروس، والإملاء، وحفظ المقاطع والأناشيد وسور القرآن، واستيعاب معلومات العلوم والرياضيات المعقدة، فأسهر أنا لأرسم بينما ينام.
الأم أو الأب يتحملان فوق طاقتيهما للقيام بتعليم الطفل، حياتهما متوقفة على جدول المدرسة، وواجبات المدرسة، وامتحانات المدرسة، ونشاطات المدرسة، فالطالب، خاصة في الابتدائية لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتحمل مسؤولية نفسه في ظل هذه المناهج التي لا هم لها سوى إبهار الوالدين، وتعجيز الوالدين، وإغضاب الوالدين.
الوالدان مُرهقان من تدريس الأبناء، ليس لأن المدرسة لا تقوم بواجبها، بل لأن المواد صعبة جداً على فهم طفل صغير في الابتدائية. ما الفائدة التي تتطلع إليها الوزارة من هذا التكديس والحشو؟ الإرهاق؟ النفور؟ الغضب؟ إن تدخل الأهل في تدريس الأبناء يفيض عن حدود المعقول والمطلوب، فيلجؤون مجبرين للدروس الخصوصية، وللمكتبات حين تزيد عليهم ضغوط الوقت والمعرفة. مهمة الوالدين في اعتقادي هي المتابعة، والملاحظة، والتوجيه، وليست الشرح، والتبسيط، والتحفيظ، والرسم، والتفكير في المشاريع، وتنفيذها.
لابد أن نواجه الأمر بشجاعة ونعترف أن الوسائل التعليمية المساعدة واجب تنجزه المكتبات، ويكتب عليها اسم الطالب فقط لأن والده دفع المبلغ المطلوب، وأن المدرسة تقبل، وتمتدح مستوى الإتقان الذي يستحيل ربطه بقدرات ذلك الطالب
.. إذا كانت المدرسة في حاجة إلى هذه الأعمال لتزيين الأسقف والجدران والممرات بلوحات مميزة، فلماذا لا تحتفظ بما يُقدم لها، بدلاً من أن تزيله في نهاية العام وتلقي به في سلال المهملات، ثم تعود لتطلب غيره في كل عام؟ أما إذا كانت المدرسة مُجبرة على هذا الطلب الذي لا يهدأ لوسائل الإيضاح الجدارية لأن التوجيه صادر من الوزارة، وهناك رقباء ومفتشون يزورون المدارس بحثاً عن الأنشطة، فالذنب تتحمله الوزارة، إذ تصدر التعليمات بعدم تكليف الطلاب بأي مشاريع ليست من واجباتهم، ثم تكلف منسوبيها بمتابعة المنتجات النشاطية في المدارس.
هل نستغرب من تفشي ظاهرة الغش بين طلابنا؟ هل يزعجنا أن يشيع في مجتمعنا هوس الألقاب العلمية الوهمية والشهادات الكرتونية؟ من هنا تبدأ المشكلة: كل لوحة فلّينية تصل إلى المدرسة وقد كُـتب عليها: (عمل الطالب فلان)، هي في الحقيقة عمل الأم، أو الأب، أو المكتبة، لكن الطفل يفرح حين يتم تعليق اسمه على عمل لم يقم به، ويفتخر حين يفوز بجائزة على منجزٍ لم يُنجزه، ويتعلم الاتكالية، ويتعود على أن يكافأ على عمل غيره، وعلى أن ينسب النجاح لنفسه، ويفهم جيداً أن السرقة حلال، وأن الكذب مباح، وأن الصعود على أكتاف الآخرين شطارة.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2018/03/22