هل يسبقنا المرض أم نسبقه؟
د. عبدالله الحريري
من أكبر التحديات التي تواجه أي دولة في المجال الصحي هي تحديات الصحة العامة، وبالتحديد تحديات العبء المرضي وحوكمة النظام الصحي بوجه عام، والخدمات الصحية بوجه خاص، وقد تكون أكثر تعقيداً في المملكة؛ لوجود تاريخ من التراكمات والتجارب السلبية والإيجابية وصراع المصالح وتقاطعها، ناهيك عن الفجوات التاريخية المعرفية غير المتصلة بين القيادات الصحية التي تولت حقائب الصحة.
اليوم فاتورة المرض في الصحة والمتمثلة في الأمراض المزمنة على سبيل المثال تتزايد، ويعزز من هذه الزيادة الفجوة التي أشرت لها، والتي سبق وأن تناولتها بالأرقام منذ العام 2007 - 2008م عندما كنت أشرف على إعداد صفحة اقتصاديات صحية في جريدة الاقتصادية بمشاركة نخب صحية وأكاديمية وبحثية وعيادية.. ومنذ تلك الفترة والحديث والحوارات تتكلم عن الخصخصة وأساليب التشغيل من شامل إلى كامل ثم إلى ذاتي، وشراء الخدمة وبيع الخدمة، والاقتصاديات الصحية والهدر الصحي والإنفاق الصحي.. إلخ..
وبغض النظر عما ينفق على الخدمات الصحية وهل يتناسب مع ما تنفقه الدول المتقدمة من ناتجها المحلي الإجمالي إلا أن الجانب الذي لم يؤخذ بجدية على المستوى الوطني هو ما يمكن أن نطلق عليه اقتصاديات المرض؛ وهي النظرة إلى المرض من منظور اقتصادي وبالذات الأمراض المزمنة والقاتلة على افتراض أن هذا التوجه سيحسن ويجود من الخدمة، ويسهل الوصول لها مكانياً وزمانياً، ويعزز الصحة العامة والجانب الوقائي ويحوكمها، بالإضافة إلى حكومة النظام الصحي والتوزيع المتوازن للرعاية والخدمات الصحية.
اليوم أخطر شيء على الصحة أن تتسع الفجوة المعرفية والسلوكية بين برامج الصحة العامة وبين المرض ليصبح المرض أكثر سرعة وشراسة وإزماناً وأكثر فتكاً وانتشاراً ..
وفي هذه الحالة يصبح أكثر عبئاً على المستوى الاجتماعي والصحي والاقتصادي ويخل بالأمن الصحي عند الأفراد وبمتوسط العمر المتوقع كدولة غنية.
اليوم نحن في سباق - ومع الزمن - مع المرض وأعبائه، فإما أن نلحق به ونخفض من حجم الفجوة ونقلل من التدهور ونعزز من برامج الصحة العامة وتحسين النظام الصحي وقائياً وعلاجياً وتكاملاً وتنسيقاً وإلا سوف تكون هناك فوضى في الأولويات الصحية.
ما أخشاه اليوم أن يسرقنا الوقت أكثر مما سرقنا ونصبح في مواجهة غير متكافئة مع المرض، وبدلاً من أن نرشد في الإنفاق ونجود الخدمة تتحول إدارتنا لملف الصحة إلى سياسة إطفاء حرائق وإدارة الصحة بأسلوب إدارة الطوارئ، هذا إذا استبعدنا من حساباتنا أي مفاجآت وبائية كـ»كورونا» أو أخواتها.
اليوم الصحة لا تقاس بالمال ولكن المرض يجب أن يقاس بالمال وبغير المال، فعبء المرض أكثر من عبء الصحة بمفهومها الشامل، ولن يعوض العجز أو فقدان الحياة أي مال، اليوم نحن نتطلع إلى جودة الحياة ولكن أين نحن من الخارطة العالمية للعبء المرضي، وما حجم الفجوة بين الوضع الصحي الحالي والوضع الأمثل الذي يعيش فيه الجميع حتى الشيخوخة دون مرض أو عجز؟
صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2018/05/20