التأشيرات .. رسوم؛ ضريبة؛ أم جباية؟
طراد بن سعيد العمري
نحتار كثيراً في فهم كلفة تأشيرات الاستقدام التي من المفترض أن تكون مجانية، لكنها تأصلت وتعاظمت وتكررت بالتقادم، فمن العسير جداً فهم أن يدفع الفرد أو المنشأة قيمة التأشيرة أكثر من مرة. فإذا تجاوزنا (١) عن كلفة التأشيرة (٢٠٠٠) ريال؛ وتجاوزنا (٢) عن صلاحية التأشيرة قبل الاستخدام (سنتين)؛ وتجاوزنا (٣) عن توجيه صرف عائد التأشيرات أو جزء منه لصندوق الموارد البشرية أو سواه؛ وتجاوزنا (٤) عن كلفة الاستقدام التي تدفع للوسطاء من مكاتب في الداخل والخارج؛ وتجاوزنا (٥) عن كلفة تجديد الإقامة ونقل الكفالة ناهيك عن إمكانية التنازل عنها (بيعها)؛ وتجاوزنا (٦) عن البيئة الحاضنة والمسهلة لهروب وغياب العمالة؛ وتجاوزنا (٧) عن تخلي وزارة العمل أو القنصليات أو مكاتب الاستقدام عن مسئولياتهم، فهل من المقبول أن التأشيرة ذاتها تدفع كلفتها أكثر من مرة؟
لنأخذ على سبيل المثال تأشيرة عامل منزلي (سائق). يتقدم الفرد، مواطن أو مواطنة، ويحصل على التأشيرة بعد دفع مبلغ (٢٠٠٠) ريال. حسناً، يتم استقدام “السائق” إلى السعودية وهنا أربعة احتمالات: (١) يتوافق العامل مع صاحب العمل، وتنشأ علاقة إيجابية وقد تطول لعقود طويلة؛ الاحتمال (٢) قد لا يتوافق العامل مع صاحب العمل أو العكس خلال الـ (٩٠) يوم – فترة التجربة – فيرجع العامل إلى بلده، أو يهرب، وعندها يعود صاحب العمل على مكتب الاستقدام بالتعويض قانونياً، أو العوض على الله سبحانه، إذا ما تم استقدام العامل بدون وسطاء؛ الاحتمال (٣) إذا هرب العامل بعد مرور فترة التجربة (٩٠) يوم؛ الاحتمال (٤) إذا ذهب العامل في إجازة وحصل على تأشيرة خروج وعودة، لكنه لم يعود للعمل.
الاحتمالين (٣+٤) هي ما سنناقشه في هذا المقال، إذا هرب العامل أو “خرج ولم يعد”، هنا يضطر المواطن أن يتقدم للاستقدام مرة أخرى بعد إحضار الأوراق الثبوتية ويدفع قيمة التأشيرة مرة أخرى. وكلنا يعرف أن التأشيرة تمنح لصاحب العمل فرداً كان أو منشأة وتسجل في بيانات الفرد أو المنشأة، فلماذا تتحول قانونية وأحقية وأهلية التأشيرة من المواطن لكي تكون حق طبيعي للوافد يأخذها معه هروباً أو خروجاً من دون عودة؟ تتحول ملكية التأشيرة من المواطن السعودي إلى العامل الوافد أياً كانت جنسيته، فإذا ولى العامل أو هرب أو “خرج ولم يعد”، فقد صاحب العمل الكلفة التي دفعها في التأشيرة وضاع حق المواطن، وفي ذلك مأزق قانوني، كما أن دفع قيمة التأشيرة مرة أخرى مأزق مالي وشرعي وأخلاقي أيضاً.
سنتفهم كثيراً، لو أن الأنظمة حددت رسوم بدل فاقد، أو بدل إصدار بـ (٥٪) من قيمة التأشيرة لدفع كلفة الجهد المضاعف في وقت موظف الاستقدام، والجوازات، والقنصليات، على سبيل المثال، أما دفع كامل قيمة التأشيرة فذلك إجحاف مالي وقانوني وأخلاقي وشرعي في حق المواطن. سنتفهم قليلاً، لو أن الأنظمة حددت صلاحية التأشيرة بـسنوات معدودة يمكن خلالها استبدال التأشيرة المعيّنة والموصفة بتأشيرة أخرى من دون تكاليف إضافية أو دفع الرسوم مرة أخرى، إذا ما قدم صاحب التأشيرة ما يثبت هروب العامل، أو عدم عودته للعمل. لكن الإبقاء على الحالة الراهنة له سلبيات عديدة لا يتسع المقال لذكرها، لكن الأكيد، أن سلبيات ومفسدة التي يخلفها الوضع الحالي في تكرار دفع قيمة التأشيرة أكبر من الإيجابيات أو المنفعة الضيقة المحدودة.
يذكر أخر تقرير أصدرته وزارة العمل (١٤٣٥ / ١٤٣٦) الصفحة (١١٦) في الباب السادس: الحوكمة والتنظيم التالي: “بلغ إجمالي المتغيبين عن العمل (٥٣٠،٩٨٢) عاملاً منهم ما نسبته (٤٣٪) تغيب داخلي و (٥٧٪) خرجوا بتأشيرة خروج وعودة ولم يعودوا” (جدول ٣٥). في نفس الصفحة والباب يذكر التقرير: “كما بلغ عدد العمالة المنزلية المتغيبة (٨٦،٥٤٩) عاملاً وعاملة منهم ما نسبته (٤٠٪) من الذكور و (٦٠٪) من الإناث”. (جدول ٣٦). ماذا يعني هذا؟ الجواب: هذا يعني أمور كثيرة، لكن في ما يخص هذا المقال، أنه في عام واحد (٢٠١٤م) فقد القطاع الخاص ما قيمته (١،٠٦١،٩٦٤،٠٠٠) أكثر من ألف وواحد وستون مليون ريال، وفقد المواطن ما قيمته (١٧٣،٠٩٨،٠٠٠) أكثر من مئة وثلاثة وسبعون مليون ريال، كقيمة تأشيرات فقط، ناهيك عن التكاليف المصاحبة.
هذه القضية تحتاج إلى وقفة من كتاب الرأي ومناقشة علمية في وسائل الإعلام، مع دراسة جادة وتنظيم مجلس الشورى، وقبل كل أولئك مجلس الشئون الإقتصادية والتنمية، لعقلنة ومنطقة تلك الرسوم أو الضرائب أو الجباية الحكومية، بصرف النظر عن مسمياتها، فلا مشاحة في المصطلح، كما يقول الفقهاء. خصوصا ونحن مقبولون على الكثير من رسوم الخدمات والتي هي حق للحكومة إذا ما أُحسن طرحها وقبل ذلك مناقشتها وعقلنتها لكي تتفق مع المنطق. أما الاستئناس بمداخيل مالية والإبقاء عليها، ففي ذلك إجحاف على المواطن، وذلك، من وجهة نظرنا، لا تسعى إليه الدولة، ولا تقصده الحكومة.
من حق الجهات الحكومية أن تتقاضى رسوم على خدماتها، لكن يجب إبتداءاً عرض الأمر على جهة مركزية مختصة لدراسة ومناقشة هيكل التسعير، بالإضافة إلى ما يطلق عليه “عقلنة” الرسم أو الضريبة المراد فرضها، ويجب أن تعرف هذه الجهة الخارطة الكاملة للرسوم والضرائب، كما تقدر الجهة أهمية فرض الرسم أو الضريبة تبعاً لمعطيات عديدة إجتماعية وسياسية وإقتصادية، كما تقرر الجهة حجم وقيمة وتكرار الرسم أو الضريبة، والأهم من ذلك كله، وضع الأسباب والحيثيات التي أدت إلى فرض الرسم أو الضريبة، بحيث يتم مراجعتها سنوياً أو كل خمس سنوات، لتحديد انتفاء أو زيادة أي من الأسباب المؤدية لفرض الرسم أو الضريبة، وبالتالي زيادتها أو إنقاصها أو إلغاءها.
أخيراً، تكرار دفع رسوم التأشيرات هو خطأ تنظيمي مر بالتقادم وإجحاف في حق المواطن، استحسنته وزارة المالية مع الزمن لأنه يوفر لها الكثير من المال، وعليها الكثير من الجهد في استنباط وسائل مختلفة لتنويع وزيادة مصادر الدخل، وسد الحاجة لطلبات تنموية. ولذا بات لزاماً على الجهات المعنية مراجعة كافة الرسوم من جهة رسمية وعقلنتها بالمنطق السليم نسبة للمواطن صاحب المنفعة. ختاماً، المفترض أن تكون التأشيرات مجاناً، فإذا لم تكن كذلك، فلا يجب على الحكومة استغلال الحاجة الماسة للمواطن أو المنشأة في استمراء وتكرار الأخطاء. حفظ الله الوطن.
كاتب، ومحلل إستراتيجي
أضيف بتاريخ :2016/02/01