حول قضية الممثل المالي في جازان
سطام المقرن
صرّحت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" في موقعها على شبكة الإنترنت بأن "أحد المقاولين تقدم إلى الهيئة ببلاغ يشتكي فيه من طلب ممثل مالي لوزارة المالية في منطقة جازان بالتعاون مع أحد موظفي إدارة تعليم جازان مبلغ 4 ملايين ريال، مقابل التوقيع على مستخلصاته المالية".
واكتفت "نزاهة" بالتصريح السابق دون أن توضح تفاصيل أكثر حول الثغرات التي استغلها "المراقب المالي" ومعاونه في ابتزاز المقاول وطلب الرشوة المليونية!
فالخطير في هذه القضية هو اتهام الرقابة نفسها، والتي من المفترض أن تكون مسؤولة عن منع أية مخالفات قانونية أو أضرار قبل حدوثها، فالرقابة المسبقة التي تمارسها وزارة المالية عن طريق المراقبين الماليين دورها وقائي في حماية المال العام، والأسئلة المطروحة هنا: من يراقب المراقب؟ وكيف استطاع المراقب المالي طلب الرشوة بهذه المبالغ الضخمة؟ وأخيرا: كيف نمنع مثل هذه التجاوزات الخطيرة؟
لقد أوجب نظام الممثلين الماليين على المراقب المالي أن يتأكد قبل التوقيع على مستندات الصرف والإيراد وقيود التسوية من توافر السند النظامي الذي يؤيد التصرف، وأن يمتنع عن التوقيع في حالة غياب هذا المؤيد مع بيان أسباب امتناعه كتابة للمختصين في الجهاز، وإذا لم يؤخذ برأيه يرفع الأمر إلى الوزير المختص أو إلى رئيس الدائرة المستقلة، متضمنا رأي المراقب المالي ورأي المختصين، فإذا أقرّ الوزير وجهة نظر المراقب المالي كان بها، وإلا فإن على المراقب تنفيذ أمر الوزير أو الرئيس فورا، ثم إخطار وزارة المالية بما تم.
وعلى هذا الأساس، وإن صحت الدعوى، فكيف يطلب المراقب المالي بمنطقة جازان مبلغ الرشوة مقابل التوقيع على مستخلصات المقاول المالية؟ هذا يعني وجود عدة احتمالات: فربما أن المستخلصات المالية تتضمن مخالفات أو تجاوزات، فتم طلب الرشوة لغض الطرف عنها، أو ربما الامتناع عن التوقيع لمجرّد تأخير مستحقات المقاول الذي يكون في أمسّ الحاجة إلى السيولة المالية، وجميع الاحتمالات هنا واردة، لكن للأسف لم تتطرق "نزاهة" إلى مثل هذه التفاصيل رغم أهميتها في مكافحة الفساد، وممن؟. من الرقابة المسبقة!
نشرت "الوطن" قبل 3 سنوات تصريحا لأمين منطقة جازان ذكر فيه ما نصه: "السبب الرئيس لتأخر تنفيذ المشاريع هو وجود مراقب مالي وحيد على مستوى المنطقة. نظاما لا بد من إعلان عن كل المشاريع التي تتطلب فتح مظاريفها، ولكن إذا فتحت المظاريف تعرض على لجنة فحص العروض التي تضم في عضويتها المراقب المالي الذي يحضر للأمانة يوما واحدا في الأسبوع. فتدرس عددا من المشاريع وبعض المشاريع يمر على فتح مظاريفها ثلاثة أشهر ولا تتمكن اللجنة من فحصها".
ومما سبق، تتضح إحدى الثغرات التي ربما استغلها المراقب المالي في طلب الرشوة، علما بأن هذا المراقب تتبع له 5 إدارات حكومية، منها إدارة التعليم، ومع ذلك، فإن إشكال التأخير في فحص العروض تتحملها الإدارة الحكومية نفسها، لأن نظام المنافسات والمشتريات الحكومية حدد المواعيد النظامية لفتح المظاريف وفحص العروض، كما أن صلاحية البت في ترسية المشاريع هي من سلطات الوزير أو رئيس الدائرة المستقلة.
لذا، كان من المفترض عدم تأخير أعمال لجنة فحص العروض، بحجة عدم وجود المراقب المالي، لكن في الواقع تخشى بعض الجهات الحكومية تحمّل مسؤولية اتخاذ القرار، أو ربما تخشى المراقب المالي، والذي قد يثير كثيرا من الملاحظات على الجهة الحكومية.
فقد تضمن نظام الممثلين الماليين سالف الذكر أنه في حال لم تقتنع وزارة المالية بوجهة نظر الوزير المختص أو رئيس الدائرة المستقلة، فلكل منهما أن يبدي وجهة نظره لمجلس الوزراء حول موضوع الخلاف، فإما أن يقر أمر الوزير أو الرئيس في الموضوع المختلف عليه مع المراقب المالي، وإما أن يلومه ويحاسبه على مسلكه. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، هناك إدارة في وزارة المالية تسمى "الإدارة العامة للرقابة المالية"، ترتبط تنظيميا بوكيل الوزارة للشؤون المالية والحسابات، يرأسها مختص برتبة مدير عام، وتضطلع بدور الرقابة المالية السابقة على التنفيذ في أجهزة الدولة، وضمن أقسام هذه الإدارة "قسم المراقبين الماليين" الذي يختص بالإشراف على تنفيذ الرقابة المالية المسبقة، عن طريق إعداد قوائم المراقبين الماليين وتوزيعهم على الأجهزة الخاضعة للرقابة في الميدان، والقيام بالتدوير الوظيفي بينهم بشكل منتظم، وإصدار التعليمات والتوجيهات المتعلقة بهم، وتلقي تقاريرهم وملاحظاتهم والقيام بدراستها واتخاذ اللازم بشأنها. فلماذا لم يتم التدوير الوظيفي للمراقب المالي في منطقة جازان؟ والذي استطاع تشكيل علاقة مع أحد الموظفين في إدارة التعليم، والتواطؤ معه في ابتزاز المقاولين بالرشوة؟
هناك إشكالات عدة تعانيها وزارة المالية عند ممارستها الرقابة المسبقة، لا يتسع المجال لذكرها هنا، لكن قضية رشوة المراقب المالي دقت ناقوس الخطر، مما يتطلب الأمر إعادة النظر في هذا النوع من الرقابة، من ناحية آليات التطبيق وتحديد المسؤوليات، خاصة أن المملكة تتجه نحو تطبيق الإدارة اللامركزية، خلال إعطاء صلاحيات مالية وإدارية أكثر للجهات الحكومية، ومفتاح الحل يتمثل في تفعيل المساءلة التي من دونها تصعب مكافحة الفساد.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/02/23