وجهة نظر .. العشائر السورية والدور الوطني
حسين مرتضى
مساحة الحسابات الإقليمية والدولية، كان اتساع الاجتماع الذي عقدته القبائل والعشائر السورية في بلدة أثريا في ريف حلب للتأكيد على التمسك بوحدة الصف في الدفاع عن سورية ضدّ التهديدات والاعتداءات الخارجية ودعم الجيش في محاربة الإرهاب، هذا الاجتماع ضمّ آلاف المشاركين من مختلف القبائل والعشائر والنخب الوطنية السورية ومشاركين من العراق ولبنان.
الرسالة التي وجّهت للعالم عبر المجتمعين تؤكد أنّ أبناء الجزيرة السورية متمسكون بوطنهم ودولتهم وجيشهم وقيادتهم، والرفض القاطع للتدخل التركي بأيّ شأن من شؤون البلاد، وأنّ الشعب السوري مصمّم على الدفاع عن نفسه وأرضه وسيادته بكلّ الوسائل ضدّ أيّ شكل من أشكال العدوان بما فيه الاحتلال الأميركي والتركي للأراضي السورية.
مشهد اجتماع رجال القبائل في سورية، ومعهم مشاركون من العراق ولبنان، يدلل على عمق انتماء هذا المكون الأصيل من مكوّنات الشعب السوري، والذي يسلط الضوء على أهمية الفضاء السياسي الرحب الذي تنطلق فيه، وقدرتها على إعادة ترتيب الوضع الاجتماعي الداخلي، والذي تساهم فيه العشائر بشكل كبير، لكون دعمها يساهم كثيراً في تغيير معادلات على الأرض من الناحية السياسية والعسكرية والأمنية وحتى الاجتماعية والاقتصادية، في بلد يمثل المواطنون من خلفية قبلية نسبة تزيد عن 30 في المئة من عدد السكان، ويعيشون في مناطق تزيد مساحتها عن 43 في المئة من مساحة سورية البالغة 185.180 كلم، أهمّها دير الزور والحسكة وحلب والرقة ودرعا.الظرف السياسي والأمني الذي جاء فيه اجتماع العشائر، يشكل نقطة قوة إضافية لدور العشائر، لكون البلاد تمرّ بهجمة جديدة ضمن معركة، تنطلق من الحديث عن إقامة منطقة آمنة شمال سورية، وانسحاب أميركي، وتوافقات دولية وتنافر قوى ومصالح عالمية، يحاول المحتلّ الأميركي والتركي والفرنسي، تكريس وجودهم وفرض أمر واقع، يفتت سورية الى دويلات وأجزاء، ضمن مناطق تعتبر فيه العشائر الرقم الصعب والأقوى، ما يعني أنّ هذا المكوّن يتحمّل الدور الأكبر، ويسعى للتأثير الإيجابي في مقاومة الاحتلال، والحفاظ على وحدة أراضي البلاد بالتوازي مع دور الدولة السورية، انطلاقاً من قدرتها على فرض الاستقرار الاجتماعي، واستقطاب النخب التقليدية، ومن ثم إعادة الاعتبار لها في محيطها الاجتماعي، بالإضافة إلى التركيز على الزعماء كبار السن، لكون العشائرية بنية أبوية تستجيب بشكل تلقائي للأكبر سناً، والذين يتمتعون بالقدرة على التلازم مع النظام العام المفروض في سورية.
وهذا الاستقرار الاجتماعي سينتج بشكل تلقائي استقراراً أمنياً وعسكرياً. وهذا ما شهدناه في مراحل سابقة من الحرب على سورية، بعد أن شهدت فترات سابقة، تنامياً كبيراً في دور العشائر العربية في المنطقة الشرقية مساندة للجيش السوري وانضمامهم للقتال إلى جانب الجيش في حربه ضدّ داعش في منطقة اثريا بريف السلمية الشرقية وكان لهم دور كبير في تطويق المنطقة الواقعة بين اثريا وجبل الشاعر في ريفي حمص وحماة الشرقيين، بالإضافة إلى معارك تدمر، وريف حلب والرقة والسخنة للعمل على فك الحصار عن دير الزور والاشتراك في معارك القضاء على تنظيم داعش بعمق البادية السورية.
وتكتسب مشاركة العشائر في مواجهة الاحتلال الأميركي أو التركي أو الفرنسي، أهمية استراتيجية من ناحية جغرافية، لكونهم أبناء تلك المناطق، ويملكون معرفة طبيعتها الجغرافية، وقدرة كبيرة على تحمّل الظروف الجوية القاسية وهي عوامل إضافية تسهم في تمكين الجيش من الاعتماد عليهم في تمتين خطوطه الدفاعية والهجومية، اعتماداً على البنية التنظيمية المتماسكة لأبناء العشائر، ما يعكس الصورة الوطنية الحقيقية لهم، والذين صمدوا بالرغم مما تعرّضوا له من ضغوط كبيرة نتيجة سيطرة التنظيم الإرهابي على مناطقهم لفترات طويلة، فهذه الأرض منحت أبناءها حاضنة تاريخية صاغت الوجدان الوطني، ضمن قواعد أنّ هذه الأرض تقدّست ضمن الديانتين المسيحية والإسلامية، وهذا ما يحوّل أبناء هذه المناطق إلى مقاتلين أشداء، حين يواجهون المحتلّ الأميركي أو الفرنسي أو التركي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/01/26