المقاربة الفلسطينية الأصوب رداً على التطبيع
حسن لافي
السؤال الأهم المطلوب الإجابة عليه يبقى مطروحاً أولاً على الفلسطيني قبل أي جهة أخرى، دون إعفاء الآخرين من واجباتهم في مساندة الفلسطيني: كيف يمكن مواجهة التطبيع العربي الإسرائيلي؟
تحقق "إسرائيل" اختراقاً جديداً في جدار الأمة العربية من خلال التطبيع مع السودان، بما يمثله من مساحة شاسعة، ومصادر مياه وفيرة، وموقع جيو استراتيجي مميز، وموارد طبيعية مازالت بكراً، وإنفتاح على العمق الأفريقي، وواجهة بحرية على طول الساحل الغربي للبحر الأحمر.
السودان ليست كدول الخليج، ولا يمكن الحديث -بدلائل- عن علاقات إسرائيلية سودانية سابقة أو سريّة من تحت الطاولة، بل على العكس، كانت السودان تشكّل لفترة قريبة قاعدةً مهمةً، ومحطةً لوجستية مهمة على الأقل في مساعدة محور المقاومة ضد "إسرائيل"، مما جعلها على قائمة الدول "الإرهابية" أميركياً.
بات من الواضح أن التطبيع العربي الإسرائيلي مخطط كبير، تمّ إعداده بهدوء، وعلى مدى زمني طويل، وهو متصل، من خلال ربط مصالح الأنظمة العربية الحالية بوجود "إسرائيل"، وإزالة أي نظام عربي وتغييره لا يتساوق مع المصلحة الإسرائيلية، بالتوازي مع فعل ممنهج لتدمير حصانة المجتمعات العربية من خلال الأزمات الداخلية والحروب الأهلية التي هي بمعظمها مفتعلة أو على الأقل يتم تغذيتها بأيادي صهيو أميركية تحت مسميات عدة دينية ومذهبية وإيديولوجية وحتى عرقية، بحيث يصبح المواطن العربي في حالة من التيه الحقيقي الذي يجعله لا يأبه إلاّ بلقمة عيشه وتوفير مقدرات بقائه.
تفسّر التغيرات السياسية التي حدثت في السودان في السنوات الماضية، بدءاً من انفصال جنوب السودان، وتشكيل دولة جنوب السودان، مروراً بما يُسمّى الثورة السودانية، وصولاً إلى حكم المجلس الإنتقالي السوداني الحاكم، كيف استطاعت "إسرائيل" ترويض السودان وإدخالها إلى حظيرة التطبيع. حيث بات واضحاً أن إطلاق مسمّى الثورة السودانية، وإنشاء قيادات سودانية جديدة هو جزءٌ من المخطط الكبير وتهيئة المسرح للعلاقات السودانية الإسرائيلية.
يطرح واقع التطبيع العربي بالرعاية الأميركية، تساؤلات عدة، وفي اتجاهات متعددة، لكن يبقى السؤال الأهم المطلوب الإجابة عليه مطروحاً أولاً على الفلسطيني قبل أي جهة أخرى، دون إعفاء الآخرين من واجباتهم في مساندة الفلسطيني على الإجابة - كيف يمكن مواجهة التطبيع العربي الاسرائيلي؟
قام الفلسطيني بعدة تحركات على مستوى ترتيب البيت الفلسطيني، بدءاً من اجتماع الأمناء العامين في بيروت - رام الله، ومن ثم تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، وصولاً إلى الحديث عن انتخابات فلسطينية تبدأ بالمجلس التشريعي ومن ثم الرئاسة والمجلس الوطني الفلسطيني، في سبيل بناء نظام سياسي فلسطيني شرعي وجديد.
النوايا الحسنة ليست دوماً شرطاً للفعل الناجح، وهنا لن نتحدث عن المراوحة الفلسطينية في مربع الإعلان عن الفعل وعدم الانتقال إلى مربع الفعل بعد انتهاء الفترات الزمنية التي حددها اجتماع الأمناء العامين، بل سنركز على مدى صوابية تلك المقاربة الفلسطينية في مواجهة التطبيع العربي و"صفقة القرن" الأميركية.
ما زال الفلسطيني يراهن من جديد، في ردّه أزاء الاختراق الإسرائيلي للجدار العربي، على إعادة شرعية المسارات الفاشلة، بدلاً من إعادة التفكير بمسارات تحركاته السياسية السابقة، والتي تمثلت بقبول دولة فلسطينية على حدود عام ١٩٦٧م، تحت شعار "حل الدولتين" و"الأرض مقابل السلام" والتي بالتأكيد هي فاشلة بامتياز بدليل نجاح "إسرائيل" في التطبيع العربي. لكن هذه المقاربات الجديدة لا يمكنها القفز عن القواعد الأساسية والاتجاهات الفعلية لتلك المسارات الفاشلة.
يحتاج الفلسطيني للحفاظ على وجوده بالمعنى الفعلي للكلمة، أن يغير المسارات الفاشلة برمتها، ويُنشئ مساراً جديداً مبنياً على قراءة حقيقية للتهديدات، التي تواجه الوجود الفلسطيني كقضية شعب تحت الاحتلال، يبحث عن التحرر، وحقه في تقرير مصيره، وليس شعب يبحث عن التعايش مع الاحتلال بصيغة فرضها عليه الاحتلال، والمنظومة الدولية الظالمة تحت قيادة القطب الأوحد الولايات المتحدة الأميركية.
تذرع البعض الفلسطيني أن أوسلو انتهى، وأن تشكيل النظام السياسي الفلسطيني الجديد يتخطى أوسلو. ومن الواضح أن هذه الذرائع تقفز عن حقيقة واضحة أن أوسلو الإتفاق انتهى، حسب المدة الزمنية التي نص عليها الإتفاق ذاته، ولكن أوسلو المقاربة مازال قائماً بالمضمون من خلال فكرة التعايش مع الإحتلال بالطريقة التي لا تتناقض مع الإحتلال أو مصالحه، والأخطر هو ما يُطرح الآن على الفلسطيني سياسياً أقل بكثير من أوسلو، بمعنى من يريد التلاعب بالمصطلحات والقول أن اتفاق أوسلو انتهى، فليصارح الشعب ما هو السقف السياسي المطروح حالياً. أليس المطروح سياسياً على الفلسطيني "صفقة القرن" الأميركية؟! لذلك، إن تغيير المسار الفلسطيني بالمطلق تجاه الثابت الحقيقي في القضية الفلسطينية، بات ضرورياً. إن الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال، يخوض مرحلة التحرر الوطني، الأمر الذي يتطلب من الفلسطيني أن يبدأ مباشرة بممارسة الفعل المقاوم على الأرض، والبحث فلسطينياً عن أفضل آليات المقاومة، وكيفية ممارستها بنجاعة ضد الإحتلال، وليس البحث عن كيفية إعادة بناء نظام سياسي فلسطيني، جذره الدستوري متمثّل في منظمة التحرير الفلسطينية المعترفة "بإسرائيل"، والجزء التنفيذي منه متمثل في "السلطة الفلسطينية" والذي تأسس بناءً على اتفاق أوسلو مع الإحتلال تحت الرعاية الأميركية.
الفلسطينيون مازالوا في مرحلة التحرر الوطني، لذلك "المقاومة أولاً" تمثل المقاربة الأصوب، والأكثر واقعية في مواجهة التطبيع العربي مع "إسرائيل"، وهي سبيل لدحر كل التهديدات الموجهة لشطب القضية الفلسطينية. يجب أن يقتنع الكل الفلسطيني أن الفصائل الفلسطينية ما هي إلا حركات تحرر وطنية، ولم تصبح بعد أحزاباً سياسية في دولة "فلسطين الحرة" تتنافس على قيادة النظام السياسي الفلسطيني.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/10/25