القمة الخليجيَّة 2021: مصالحة من دون شروط والهدف إيران
وفاء العم
ليست السماء صافية في الخليج كصفاء مرايا القصر الذي عقدت فيه القمة الخليجية، وليست كصفاء صحراء العلا ورمالها، فالإقليم برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة.
استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالأحضان. استقبله بحفاوة عبَّرت عن حماسة سعودية لطيّ صفحة 3 سنوات من الخلاف والقطيعة.
وسط هذه الأجواء، عُقدت القمة الخليجية الـ41، رافقتها أجواء احتفالية عبرت عنها شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، المتضرر الأول على المستوى الاجتماعي والاقتصادي من هذه القطيعة، احتفاء بإخماد الحريق المشتعل، وذلك بفضل الكويت التي لطالما أدت دور رجل الإطفاء بين الأشقاء.
تأتي هذه القمة والمنطقة على صفيح ساخن بين الحرب واللاحرب. تأتي على وقع توتر غير مسبوق في المياه الخليجية، بفعل تصاعد الخلاف الأميركي الإيراني تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وبعد استهداف السفارة الأميركية في بغداد بعدة صواريخ. وعلى الرغم من نفي إيران علاقتها بعملية استهداف السفارة، فلا يستبعد أحد مغامرة أميركية على وقع حالة الاختلال والتشظي غير المسبوقين في الداخل.
في المياه الخليجية، أعلن البنتاغون عبور غواصة نووية مزودة بأكثر من 150 صاروخ "توماهوك" مضيق هرمز لأول مرة، ترافقها سفن حربية أخرى، وقيام قوات من المارينز التابعة للبحرية الأميركية بإجراء تدريبات عسكرية في المنطقة. وتمت إعادة حاملة الطائرات "مينيتز" إلى الخدمة مجدداً في مياه الخليج، فيما تتابع طهران التحركات الأميركية العسكرية في المنطقة وتحذر الأميركي من أي مغامرة عسكرية، مؤكدة أن الرد الإيراني سيكون موجعاً وقادراً على استهداف كلّ القواعد الأميركية في المنطقة، ما يعني أن الخليج سيكون في قلب النار.
لم يتوقف الأمر هنا، فقد أعلنت طهران ضم الجزر المتنازع عليها مع الإمارات إلى سياستها الدفاعية، بعد زيارة قام بها قائد البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنكسيري إلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، فيما قام قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي بزيارة جزيرة أبو موسى، ما أثار استياءً إماراتياً كبيراً.
إذاً، ليست السماء صافية في الخليج كصفاء مرايا القصر الذي عقدت فيه القمة الخليجية، وليست كصفاء صحراء العلا ورمالها، فالإقليم برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة، وتأتي القمة في ظل تساؤلات كثيرة ومتشعبة في الشكل والمضمون.
من ناحية الشكل، غاب الملك البحريني عنها، ويبدو جلياً امتعاض البحرين من المصالحة الخليجية، على الرغم من توقيع ولي العهد على البيان النهائي للقمة، وكذلك الإمارات.
بالنسبة إلى المملكة، لم تقدم قطر ضمانات واضحة وحقيقية بشأن سياستها إزاء المنامة. واللافت أن تلفزيون البحرين الرسمي بثّ صباح القمة برنامجاً عن استمرار انتهاكات قطر بحق الصيادين البحرينيين.
أما عمان، فقد فاجأ السلطان هيثم بن طارق الجميع بإعلان عدم حضوره وتكليف نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد بالمهمة، ما يعد تمثيلاً ضعيفاً للسلطنة في القمة، وخصوصاً أنها الأولى له منذ توليه مقاليد الحكم، ما أثار التساؤلات والتكهنات حول الأسباب الحقيقة لهذا الغياب.
وفي المعلومات أن السلطان فضّل سياسة النأي بالنفس، في ظل ضبابية الصورة المحيطة بعملية المصالحة التي لا يبدو أنها ترتكز على أسس حقيقة. أما في المضمون، وعلى الرغم من إنهاء واحدة من أكبر الأزمات التي عصفت بمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه وإعادة قطر إلى البيت الخليجي، فإنَّ الاتفاق ما زال مبهماً وغير واضح.
ما جرى عملياً يتمثل في إجراءات لبناء الثقة وتخفيف التوتر، عبر فتح الرياض حدودها البرية والجوية لقطر مقابل تنازل الأخيرة عن كل الدعاوى القضائية التي رفعتها ضد دول المقاطعة، والتخلي عن المطالبة بتعويضات نتيجة الأضرار التي لحقت بها جراء الحصار، فماذا عن الشروط إذاً؟
قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "لسنا في صدد أن تكون هناك شروط من دولة على دولة أخرى"، وأضاف: "لم يتم طرح موضوع قناة الجزيرة، وهي مؤسّسة نفخر بها وبإعلامييها وبوجودها في قطر".
إذاً، ما يمكن استنتاجه أنه تم التخلي عملياً عن البنود الـ13 التي وضعتها دول المقاطعة كشروط لعودة العلاقة الدبلوماسية مع قطر، وأن الدوحة لم تقدم تنازلات، سواء في ما يتعلق بعلاقتها مع تركيا أو دعمها للإخوان المسلمين أو إغلاق قناة "الجزيرة".
من جانب آخر، يقول ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إنه تم التوقيع على بيان القمة، وليس على اتفاق المصالحة. وما يؤكده وزير الخارجية القطري أنه تم الاتفاق على مبادئ أساسية لتجاوز الخلاف الحالي وقواعد لحوكمة العلاقات، كما تم الاتفاق على عدم المساس بأي دولة أو التدخل في شؤونها أو تهديد أمن الإقليم.
إذا هي مصالحة باتفاق أو إعلان مبادئ عامة من دون فرض شروط أو تنازلات على الدوحة. هكذا يبدو الحال. والحقيقة أن ما جرى أقرب إلى كونه صلحاً سعودياً قطرياً منه إلى صلحٍ يشمل كلّ الأطراف على أسس واتفاقيات واضحة، فلمَ تستعجل المملكة الكبرى هذا الصلح؟!
لطالما كانت السعودية، وما زالت، عمود الخيمة الخليجية وحامية مصالحها. وبالنسبة إلى الرياض، فقد تغيرت الظروف مع تغير الرياح الأميركية، وبات مهماً الاستعداد لمرحلة بايدن وما قد تحمله المتغيرات الأميركية، وباتت لملمة البيت الخليجي ضرورة استراتيجية لمواجهة "التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ البالستية ومشاريعه التخريبية الهدامة" كما قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال القمة. وعليه، لا تريد الرياض خصماً في خاصرتها في المرحلة المقبلة.
هذه المرحلة عنوانها الأول جبهة موحّدة ضد إيران، عبر استمرار العمل في ترسيخ التحالف مع "إسرائيل" والسماح لها بإقامة قواعد عسكرية في المنطقة من جهة، ولم شمل البيت الخليج حول مسألة الأمن من جهة أخرى، تحضراً لقدوم بايدن الذي ينوي إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
هذا ما دفع عجلة المصالحة سريعاً نحو الأمام؛ مصالحة تجاوزت الشروط أو وثيقة الاتفاق، وكل ما هناك بيان مبادئ عامة أبقت الوضع على ما هو عليه بالقبول بالسياسة القطرية، فهل تسير قاطرة مجلس التعاون أم هو صلح مرحلي هش قد يتبدَّد مع أول متغير؟!
كيف سيتم حل الخلاف الرئيسي حول تحالف الدوحة مع تركيا أو العلاقة مع طهران؟ أي كفّة سترجح قطر؟ تمكين تركيا أم مصلحة السعودية؟
في الحقيقة، هذه الأسئلة معلقة مرحلياً إلى أن تتضح الأمور أكثر في المستقبل القريب.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2021/01/08