صناعة الإسلاموفوبيا في أرض الأحلام
مأمون كيوان ..
طرح الأميركيون، بعد أحداث 11 سبتمبر سؤالاً على أنفسهم مفاده "لماذا يكرهوننا؟". وذلك في إشارة إلى العرب والمسلمين، ومن ضمنهم المسلمون الأميركيون. وطلبت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن من مراكز البحوث الأميركية (Think Tanks) تزوديها بالجواب على هذا السؤال. وحمل الجواب رزمة أسباب، يأتي في مقدمها الدعم الأميركي العسكري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي اللامحدود لإسرائيل.
وعندما طرح السؤال المذكور تم تجاهل حقائق تميز المسلمين الأميركيين، ومنها أن المسلمين الأميركيين معارضون للعنف، وأكثر تسامحاً من الكثير من مواطنيهم. وليسوا متشددين أو مؤيدين للعنف حسب اتهامات ومزاعم بعض السياسيين، وفي مقدمهم دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية.
وتتكون الأقلية المسلمة في الولايات المتحدة من العناصر الآتية: العرب؛ الأتراك؛ التتار؛ اليوغسلاف؛ الألبان؛ الإيرانيين ومسلمين من جنوب وجنوب شرقي آسيا (باكستان- أفغانستان - بنغلاديش- الهند- سريلانكا- إندونيسيا - ماليزيا- الفلبين؛ ونيجيريا).
وقد أشار ديفيد بير وماثيو لا كورتي، الباحثان في مركز نيسكانين الأميركي، عبر مقال نشر مؤخراً في المركز المتخصص في توجيه السياسات الأميركية، إلى كون المسلمين الأميركيين ليسوا مندمجين وحسب في المجتمع، بل هم معارضون للعنف، وأكثر تسامحاً في كثير من الأحوال ممن سواهم من الأميركيين. ويميل المسلمون أكثر من المسيحيين لاعتبار أنفسهم أميركيين أولاً، بل ويميل أكثر من ثلثي المسيحيين للتعريف عن أنفسهم بوصفهم مسيحيين أولا، وأميركيين ثانياً.
وكشفت دراسة حول المسلمين أجراها مركز بو في 2011، أن المسلمين الأميركيين معتدلون سياسياً (38% معتدلين، 27% ليبراليين، 25% محافظين). وأنه ليس جميع الأميركيين يشاركون المسلمين الأميركيين انفتاحهم على ديانات أخرى. بالمقابل، بينت دراسة جديدة أن عدداً كبيراً من الجمهوريين في ولايات آيوا ونورث كارولاينا ونيو هامبشير يعتقدون بوجوب حظر الإسلام.
إن صعود وتفشي "الإسلاموفوبيا" في الولايات المتحدة الأميركية، كان في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي وسماها الكاتب الأميركي ستيفن شيهي، أستاذ اللغة والثقافة العربية بجامعة ساوث كارولينا، في كتابه (الإسلاموفوبيا): "الحملة الأيديولوجية ضد المسلمين"، التي تسود جميع مستويات الحياة الأميركية، من اليمين إلى اليسار، ومن المتدينين إلى الملحدين.
ويقول شيهي إن المسلمين في الولايات المتحدة لا يشعرون فقط بالوابل اليومي لخطاب الكراهية، وأفعال الكراهية، من خلال التحليلات والصور المهيمنة المزدرية، التي تجتاح شاشات التلفزيون والوسائط الإعلامية المطبوعة، وحتى لوحات الإعلانات في الطرق السريعة، بل إنهم أيضًا يخضعون للرقابة الحكومية، التي تقتفي آثارهم وتحركاتهم، في الشوارع والمساجد والجامعات، وترصد تجمعاتهم وأموالهم وتبرعاتهم الخيرية، بل وتتجسس عليهم وتقمعهم وتقاضيهم. أي تتم ترجمة الاعتقادات الخاطئة إلى أفعال، وتمويل لصناعة الكراهية والإسلاموفوبيا. وقد سمى التقرير الذي أصدره مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية "كير" ومركز العرق والجنس التابع لجامعة كاليفورنيا، 74 جماعة قال إنها تسهم بطريقة أو بأخرى بالإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة. وبين هذه المجموعات:
"صندوق التحيز" و"مشروع كلاريون" ومركز القانون الأميركي للحرية" و"منتدى الشرق الأوسط" و"مركز السياسة الأمنية" و"المشروع الاستقصائي عن الإرهاب" و"جهاد ووتش" و"آكت فور أميركا" حصلت على تمويل يصل إلى 206 ملايين دولار بين 2008 و2013. وتدير مشروع "ثين بلو لاين"، وهو قاعدة معلومات عن الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة. ووفقاً لموقع المجموعة، يوفر المشروع "محتوى تعليمياً ومعلوماتياً عن المسائل المتعلقة بالأمن الوطني والإرهاب، وعلاقة الدعوات إلى الجهاد بتنامي الإرهاب المحلي". وهناك "مركز السياسة الأمنية" و"مركز الحرية لديفيد هوروفيتز".
لقد أوضح تقرير "كير"، أن الهدف الأساسي لـ33 من تلك الجماعات هو "تعزيز التحيز والكراهية ضد الإسلام والمسلمين"، ودعم مشاريع القوانين المعادية للمسلمين التي صارت قوانين في 10 ولايات.
وفق هذه المعطيات المتمحورة حول صناعة "شيطنة" المسلمين، يبدو أن الأساطير التي سوقها أباطرة الإعلام الأميركي حول الولايات المتحدة الأميركية ووصفها بأنها أرض الأحلام والحرية والعدالة، يقوضها متطرفون من ظهرانيهم. وعليه يكون سؤال "لماذا يكرهوننا؟" في منزلة لزوم ما لا يلزم.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/06/28