تقرير خاص: الأزمة #السعودية #المصرية: مصالح #المملكة.. واختزال الآخرين؟!
مالك ضاهر ..
".. مصر لن تركع إلا لله.."، هذا ما نقل عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خلفية تناوله الحديث عن محاولات لتركيع بلاده جراء ضغوط تمارس عليها، هذا الكلام ليس بعيدا عن خلفية الأزمة المستجدة بين القاهرة والمملكة السعودية والتي طرأت بصورة مفاجئة بعد تصويت مصر في مجلس الأمن إلى جانب روسيا بخصوص الأزمة السورية ما اعتبر استفزازا للرياض سرعان ما تُرجم بوقف تصدير النفط غلى مصر وصولا لمغادرة السفير أحمد القطان القاهرة متوجها إلى الرياض للتشاور مع القيادة السعودية.
وصحيح أن السيسي نفى أن "يكون إيقاف توريد البترول السعودي إلى مصر قد جاء ردا على موقفها من التصويت في مجلس الأمن"، إلا أن الرئيس المصري أكد من جديد أن بلاده تتبنى سياسة مستقلة تهدف إلى تحقيق الأمن القومي العربي من خلال تبني رؤية وطنية.. وشدد على الموقف المصري الثابت إزاء الأزمة السورية والذي يشمل العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة الراهنة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية واحترام إرادة الشعب السوري فضلا عن نزع أسلحة الجماعات المسلحة وإعادة إعمار سوريا.
السبب المباشر.. والأسباب الخفية
كلام يؤكد بما لا يدعو مجالا للشك أن القرار السعودي بوقف تصدير النفط اليوم سببه المباشر والأساسي هو الموقف المصري من الملف السوري، ولكن هل من أسباب أخرى غير مباشرة؟ وهل هناك من ملفات أخرى تلعب فيها مصر أي دور لا يراعي السياسة السعودية في المنطقة أو في العالمين العربي والإسلامي؟
ففي حين يرى البعض أن مصر عادت عبر مواقفها المتمايزة عن مواقف دول الخليج وبالأخص المملكة السعودية للعب الدور الريادي في المنطقة والأمة بشكل أعم، الذي غابت مصر عن القيام به لسنوات طويلة، ويبدو أن مصر أرادت أن تقول لكل الدول أن العلاقة الأخوية مع الأشقاء العرب من المحيط إلى الخليج لا تعني تغيير المواقف الوطنية المصرية أو السير مع غير القناعات المصرية كما يريد البعض، بل لا بدّ من إيضاح الصورة بأن الاتفاقات السياسية والاقتصادية وغيرها التي توقع بين مصر وغيرها من الدول لا تسلب مصر حريتها بخصوص مختلف الملفات الإقليمية والدولية، فلا ضير من الصداقة مع دولة أو جهة معينة والاختلاف معها على ملف أو أكثر من الملفات.
دور الأزهر.. والدعم المصري
ناهيك أن الدولة المصرية التي تدعم وتحتضن "الجامع الأزهر" باعتباره الجهة الإسلامية المعتدلة التي تمثل الغالبية العظمى من المسلمين تاريخيا وواقعا، بدأ يلعب دوره الفعال في مواجهة حركات التطرف والإرهاب التي لا يخفى على أحد أنها تنهل من نفس المناهج الفكرية الذي تدرس المملكة منذ عشرات السنين، وما "مؤتمر الشيشان" الذي عُقد مؤخرا وكان "الأزهر" أحد منظميه الأساسيين إلا أحد الإشارات المصرية لمحاربة الإرهاب، خاصة أن المؤتمر رفض الاعتراف بالسلفية والوهابية كأحد مذاهب أهل السنة.
وبغض النظر عن كل الأصوات السعودية التي خرجت للتصويب على مصر في كل تلك المواقف، لا بدَّ على السعوديين أن يطرحوا السؤال على أنفسهم، لماذا الدول تنفر من التعاطي مع المملكة؟ ولماذا دائما هناك إشكاليات كبرى تطرح في علاقاتنا الدولية؟ وهل من المصلحة أن نحطم كل العلاقات مع الدول خاصة الجارة والشقيقة فقط لأنها اتخذت موقفا معارضا لمواقفنا في أي ملف من الملفات؟ وهل المطلوب من الدول التي تتعاطي مع المملكة أن تكون صاحبة مواقف "منسوخة" عن المواقف السعودية؟ لماذا يجب أن تكون علاقتنا عدائية مع اليمن وسوريا وإيران ومتوترة مع العراق ومصر ومترنحة حتى مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي "لا تبصم بالعشرة" لكل القرارات السعودية، وعلى شاكلة هذا النمط من العلاقات نقيس علاقات المملكة مع تركيا وباكستان وتونس .... وغيرها من الدول، وكأن البورصة هي التي تحكم علاقات المملكة بغيرها.
هل المشكلة فينا؟
وبعد كل ما سبق، لماذا نلوم مثلا الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وروسيا على مواقفها في ملفات كثيرة تتعلق بالمملكة طالما أن المشكلة تحكم العقلية التي نتعاطي بها مع الآخرين، فلو أخذنا مثلا العلاقة مع لبنان(البلد الصغير في المنطقة) نرى دائما أن القيادة السعودية تريد منه عدم التغريد بعيدا عن مواقفها في أي مجال من المجالات وهذا ما يريده حلفاء المملكة في ذلك البلد، ودائما بحجة أن الرياض طالما دعمت لبنان وساهمت بإعادة إعماره وغيرها من صنوف الشعارات التي لا تنتهي وصولا لخلاصة "لا رأي يجب أن يعلو على الرأي السعودية، فمن قال إن دعم إنسان يعني مصادرة رأيه وفكره وقراراته؟ والحقيقة أن صديقا يبدي لي نصيحة ويكون صاحب رأي حر أفضل بكثير من تابع نشتري رأيه وموقفه ولو سلم بكل ما نفعل ونقول.
وبالعودة إلى العلاقة مع مصر نراها تدور بنفس الإطار حيث أنها مرت بفترات متعددة ومتغيرة صعودا ونزولا بحسب رضانا عن مواقفها، فعندما وقع الرئيس السيسي مع الملك سلمان على مجموعة اتفاقيات ومن بينها اتفاقية تيران وصنافير التي أقرت أنها سعودية ولكن تديرها مصر، كنا في ذلك الوقت راضيين تماما عن الموقف المصري بينما اليوم لأن مصر ارتأت أن تتخذ موقفا يتمايز مع موقفنا من الملف السوري في مجلس الأمن بتنا نريد "تحطيم المعبد على رأس الجميع"، فهل هكذا تبنى العلاقات بين الدول؟ وهل هذه السياسة التي تقرب الدول من بعضها؟
علينا أن نفهم أن السياسة هي فن الممكن، وإن كان الحفاظ على ثوابت معينة لا يمكن التنازل عنها هو أساس في بناء سياسات الدول والأنظمة والتأسيس لمستقبل على أرضية صلبة، وانطلاقا من ذلك يجب التعاطي مع الدول على أساس ثوابت تقررها كل دولة إنما لا يجوز تدمير العلاقة مع كل دولة نختلف معها بشأن ملفات جزئية، فالعلاقات لا تختصر بمسائل تفصيلية هنا وهناك وإنما تقاس بالشكل العام والإستراتيجي، كما أن المصالح الشخصية لا يجب أن تقحم في العلاقات العامة بين الدول التي يجب أن تبقى تحكمها المصالح المتبادلة، وبالتأكيد أن خسران نقطة في مكان ما مع دولة ما لا يجب أن يكون دافعا لخسارة كل النقاط مع هذه الدولة بقدر ما يجب أن يشكل دافعا للحفاظ على الرصيد الباقي والاستثمار فيه والتأسيس عليه.
أضيف بتاريخ :2016/10/15