تقرير خاص: #الجبير في #العراق.. تراجع سعودي أم ماذا؟
مالك ضاهر ..
عندما تقرر المملكة السعودية المصالحة مع أي أحد ولو حصل ذلك بعد طول خصام فلا يقف بوجهها أي شيء، هذا ما تظهره الوقائع التي تحصل يوما بعد يوم، وفي هذا الإطار تأتي الزيارة المفاجئة وغير المنتظرة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى العراق بعد فتور من العلاقات بين البلدين طوال الفترة الماضية.
وهذا دليل أن بيد المملكة مفتاح التأزيم كما بيدها مفتاح المصالحة أو بالحد الأدنى كسر الجمود مع أي بلد في المنطقة، فالمملكة هي التي جافت العديد من دول الجوار ومن ضمنهم العراق، حيث أشير إليها بدعم جماعات ضد أخرى لتأزيم الواقع العراقي، ناهيك عن الاتهامات الموجهة إلى المملكة بدعم الإرهاب في العراق منذ سقوط حكم صدام حسين ما ساهم بتأجيج الخلافات المذهبية والطائفية هناك، ولكن وصول الجبير بهذه السرعة إلى بغداد ولقاؤه مع المسؤولين العراقيين والمواقف التي أطلقها اعتبرت تقدمية وفتحت باب التساؤلات عن السياسة السعودية المرتقبة في المستقبل في المنطقة، فالجبير أكد أن "المملكة تتطلع إلى بناء علاقات مميزة مع العراق وثمة رغبة مشتركة في العمل معا في الحرب ضد الإرهاب".
هل المصالحات في المنطقة قادمة؟
فهل سنرى تغيرا في المشهد العام من المنطقة حيث تتجه إلى مصالحات كبرى تفتح الباب أمام إنهاء الصراعات في سوريا والعراق واليمن؟ هل سنرى المملكة ترفع الغطاء عن كل داعم للإرهاب بما يساهم بمحاربته بشكل فعّال؟ وما الذي يجعل المملكة تغير من سياساتها المتبعة وتتجه نحو الانفتاح على الآخرين؟ هل فشلت كل الرهانات السابقة والسياسات المتبعة حتى اضطرت المملكة لتغير الأسلوب؟ وهل الموضوع فقط تغيير تكتيتكي أم أن الأمر ينطوي على تغيير جذري في المضمون أيضا؟ وهل سنجد في المستقبل القريب تقاربا سعوديا إيرانيا يساهم بتخفيف أزمات المنطقة وتكون الساحة العراقية أحد مداخله الأساسية؟ وما الوقت الذي سيحتاجه مثل هذا التقارب للوصول إلى أي تفاهم ممكن؟
وهناك من يرى أن المملكة تغير سياساتها في المنطقة بشكل عام وهي تحاول فتح ثغرات باتجاه التقارب مع المحور الآخر وعلى رأسه إيران سواء من بوابة لبنان أو من بوابة العراق أو حتى من بوابة تنظيم موسم الحج كجزء من العلاقات الإسلامية الإسلامية، ويعتبر البعض أن المملكة اقتنعت فعلا بعدم جدوى البقاء على الجمود والخصام القائمين في المنطقة بل الأجدى لها قبل أي أحد آخر إعادة فتح قنوات التواصل مع أكبر قد ممكن من الأطراف في المنطقة، بغية مواجهة أية متغيرات قد تحصل في المنطقة والعالم في خضم كل ما يجري بدءا من وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة وما قد ينتج من تفاهمات دولية بين الكبار مرورا بالتوافق الكبير بين مختلف الدول على محاربة الإرهاب وإن كانت كل دولة لها غاياتها وحساباتها في هذا المجال.
التنصل من الإرهاب.. ومحاربته
والمملكة السعودية قد تكون بحاجة إلى تحصين نفسها أمام أي ردة فعلية غربية محتملة ضدها والتي كانت قد بدأت بوادرها منذ صدور قانون "جاستا"، وقد بدأت المملكة فعلا بالعمل لـ"إعلان البراءة" من التهم بدعم الإرهاب عبر التسويق لأفكار أن أطرافا أخرى عملت على تأسيس التنظيمات الإرهابية ودعمها وفي طليعتها تنظيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن، والاتصال الشهير بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الاميركي ترامب بعيد انتخابه كان شاهدا على ذلك، وها هي اليوم المملكة تعمل على مواصلة السير بهذا الاتجاه عبر تأمين شبكة علاقات عربية وإسلامية تؤكد وجودها القوي على الساحة وفي المنطقة وأن التعاطي معها يجب أن يكون على أساس أنها حاجة وضرورة للدول الغربية وليست مجرد جسر عبور إلى المنطقة، فهي رغم كل شي ما زالت لها أذرع في مختلف البلدان وأن اختلفت الآراء حول طبيعة هذا التواجد أو شرعيته: فالمملكة موجودة بثقل وازن مباشرة أو بالواسطة في اليمن ولبنان وليبيا وسوريا والعراق والبحرين ولها اليد الطولى في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، كما لها وسائل ضغط في العديد من الدول.
وحول ذلك، اعتبرت مصادر مطلعة على الوضع العراقي أن "زيارة الجبير إلى بغداد هي بداية لصفحة جديدة بين البلدين"، وأضافت أن "الرياض بدأت بتغيير سياساتها تجاه العراق خصوصا مع اقتراب القوات العراقية من إنهاء وجود تنظيم داعش الإرهابي في مختلف المناطق التي كانت سيطرته"، ورأت أن "السعودية تعمل على حجز مكان لها في المعادلة العراقية في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم داعش في ظل كل ما تحققه القوات العراقية ضد التنظيم"، وتابعت "هذا يدل أن هناك متغيرات كبيرة تحصل في المنطقة".
تصويب الاعوجاج.. وإنهاء الخلافات!!
وحول تأثير الزيارة على العلاقة بين البلدين، قالت المصادر إن "العلاقة اليوم بين الطرفين تقوم على الجدية والندية بعد فترات طويلة من التذبذب والاهتزاز في هذه العلاقات"، ولفتت إلى أن "هناك ملفات ثنائية عالقة وتحتاج إلى حل منها ملف المحكومين السعوديين في العراقي بالإضافة إلى غيرها من الملفات الاقتصادية والأمنية"، مؤكدة أن "العلاقات ضرورة بين البلدين".
يذكر أن العلاقات العراقية السعودية لم تشهد مراحل مديدة من الاستقرار والتناغم منذ بدايات القرن الماضي، وقد قُطعت تماما بعد غزو صدام حسين للكويت في العام 1990، وبعد ذلك شهدت العلاقات فترات من التصعيد المتفاوت عقب الإطاحة بنظام صدام عام 2003، وفي الفترة السابقة عينت الرياض ثامر السبهان سفيرا لها في بغداد الذي طالبت بتغييره بعد أشهر عديدة على تعيينه بسبب مواقفه التي صنفت بخانة تجاوز حدود الأصول الدبلوماسية، قبل أن يحط الجبير في بغداد فاتحا عهدا جديدا من العلاقات، فهل ستُظهر الأيام المقبلة نتائج مباشرة لزيارة الجبير للعراق أم أن الأمر سيقتصر فقط على كسر الجمود؟ هذا ما ستبينه المرحلة القادمة وستظهر مدى تحكم العقلية الحكيمة في إعادة الأمور إلى نصابها مع الأشقاء والجيران، مع التأكيد أن سياسة افتعال المشاكل وردود الأفعال المتهورة لا تجلب سوى المزيد من الاستنزاف للقدرات الوطنية في المملكة دون نتائج إيجابية ملموسة على الأرض.
أضيف بتاريخ :2017/02/28