تقرير خاص: التحضير لإدانة #حسين_الصادق.. ثغرات قانونية بالجملة تفضح خضوع القضاء
مالك ضاهر ..
من منا لا يعرف الشاب حسين الصادق من جزيرة تاروت شرق المملكة السعودية الذي اعتقلته القوات الأمنية بشكل مريب في مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015 وأثار اعتقاله بلبلة بعد استدعائه من قبل شرطة تاروت حيث مُنع من المغادرة، ومن ثم تم نقله إلى المحكمة وعقدت جلسة له في الرياض من دون علم عائلته.
اليوم عادت قضية الشاب حسين إلى الواجهة من جديد مع تحضير السلطة السعودية لقرار سيصدر عن السلطة القضائية، فقد عقدت جلسة لمحاكمة الصادق في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض ووجهت إليه الكثير من التهم التي تؤكد سعي السلطة وإصرارها على السير حتى النهاية لإدانته وإبرام الحكم بحقه وسجنه لمدة طويلة قد تصل إلى عشرين عاما، على الرغم من وجود قائمة كبيرة من الملاحظات التي تسجل على عملية التوقيف والاتهام والتحقيق والمحاكمة والتي يشوبها الكثير من الثغرات القانونية وتفتقد لأساسيات المبادئ القضائية والحقوقية التي يجب أن تتوافر في أي محاكمة عادلة قبل الوصول لإدانة الإنسان بجرم ما، ما يجعل المحاكمة ككل عرضة للإبطال ووجوب إعادة المحاكمة بما يسمح بتبيان الحقائق وإظهار براءة حسين الصادق من التهم الموجهة إليه.
تهم كثيرة.. والاستخدامات سياسية!!
وقد اطلعت صحيفة "خبير" على لائحة الدعاوى الذي يصاغ لإدانة الصادق من قبل المحكمة التي وجهت إليه تهما عديدة، منها الولاء لدولة أجنبية معادية ووصف المملكة السعودية بأوصاف مسيئة ونابية وأنها بلد الإرهاب لأنها تقتل الأبرياء في اليمن والعراق وسوريا والحجاج في منى(نسبة لحادثة منى الشهيرة والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى)، الانتماء لحزب الله وإظهار حبّه لأمينه العام السيد حسن نصر الله، تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية، غسل وتبييض الأموال ودعم جمعية الوفاق البحرينية المعارضة وإرسال مبالغ مالية لمكتب المرجع الديني الإمام الخميني، تهديد عمدة تاروت، المشاركة بالمسيرات والمظاهرات الشعبية السلمية في المملكة، وغيرها من التهم.
وقبل الغوص في حيثيات لائحة الدعاوى لا بد من التنويه أن التهم التي أشيع في البداية أن المعتقل حسين الصادق اعتقل بسببها كانت تتعلق بالمشاركة بالمسيرات السلمية التي جرت في جزيرة تاروت كالاعتراض على أداء السلطة الحاكمة في المملكة ووجود ملاحظات لدى مختلف شرائح الشعب على ممارساتها، ومن ثم اتهامه أنه هدد عمدة تاروت عبد الحليم كيدار، على الرغم أن الأخير هو رجل استفزازي ويعمل على استثارة الناس والشبان خلال الفعاليات الشعبية السلمية التي كانت تنظم، وقد ظهر بكثير من المشاهد التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي يلعب هذا الدور الأمني المخابراتي في صورة لا يجب أن يكون عليها الموظف العمومي المدني، بالإضافة إلى أن التهم العديدة التي توجه للرجل في عدة مجالات منها أنه يتطاول على المقامات والرموز الدينية للمواطنين، بما يجعله سببا للمشاكل ومفتعلا لها لا معتدى عليه كما تحاول التحقيقات تصويره للرأي العام.
وبشأن الحديث الذي دار بين الصادق وعمدة تاروت، فالادعاء يؤكد أن الأخير بادر للاتصال بالمعتقل بعد أن سبق وأنهيت المكالمة معه، أي أن "العمدة" كان له دور في اختراع الإشكال مع المعتقل وتعمد توجيه الإهانات للرموز الدينية للشيعة بقصد إثارة المتهم وبهدف جرّه للتلاسن والنزاع بغية الادعاء عليه، أي أن الأمر يبدو وكأنه مفتعل ويجب بالتالي البحث في هذه النقطة بالتحديد حيث يعتبر عمدة تاروت ممن حرض أو خلق الظروف كي تتم ملاحقة المعتقل الصادق فيما بعد، وبالتالي لا يمكن للشخص أن يدعي على آخر بالتعرض له بينما هو من قام بافتعال المشكل معه وربما يكون مدفوعا من قبل الأجهزة الأمنية للقيام بذلك بغية الإيقاع بالصادق، والأجدر هنا على المحكمة استدعاء عمدة تاروت والتحقيق معه والادعاء عليه وتحميله المسؤولية لأنه تعمد شتم رموز دينية لها قيمتها المعنوية بنظر شريحة كبيرة من المواطنين في المملكة ومنطقة الخليج.
ورغم كل ذلك عندما ندقق بـ"لائحة الدعاوى" الذي تعد للمعتقل حسين الصادق نرى أن التهم التي ألصقت لاحقا بالأخير تقدمت وباتت مسألة عمدة تاروت والمشاركة بالتظاهرات مسألة تبعية وثانوية، وتم إبراز وتقديم التهم الأخرى التي تثير الرأي العام وتستجلب التعاطف المذهبي والطائفي وتحرك الغرائز الفتنوية، كالاتهام بـ"الانتماء لحزب الله" والعلاقة مع تنظيمات إرهابية وربطها بتمويل بعض الجماعات، والتي هي بالواقع جمع أموال الخُمس(التي تعد إحدى الفرائض الواجبة لدى المذهب الشيعي) وغيرها من النذورات الشرعية، وصولا لتمرير مسألة "الحب" الذي أظهره المعتقل للسيد حسن نصر الله، وهذه كلها أمور تفتح الباب أمام سيل من التساؤلات حول جديتها ومصداقيتها وجدواها ومدى وجود أدلة دامغة حولها أو إمكانية وجواز تجريم من يقوم بها، فهل الحب والتقدير لشخصية سياسية ودينية عربية أو إسلامية أيا كانت باتت تهمة يجب أن يسجن عليها الإنسان؟ وهل القيام بالواجبات الدينية التي يفرضها أي مذهب إسلامي هو جريمة يجب أن يعاقب عليها الإنسان؟ وهل التظاهر وإبداء الرأي يستحق الاعتقال والتعذيب والسجن؟ أليس من يتحدث بالقانون والحقوق والانفتاح على العالم يجب أن يؤمن للإنسان الحق بإبداء الرأي وحرية التعبير كأساس يجب أن تكفله الدولة لمواطنيها؟
وبخصوص اتهام الصادق بالانتماء لحزب الله، هنا يبرز السؤال البديهي كيف كوّنت المحكمة قناعتها بذلك مع أنه لا وجود لهذا الحزب في المملكة ولا تواصل بين المدعى عليه وأي طرف فيه، فكيف يمكن توجيه الاتهام لشخص أنه ينتمي لحزب أو جهة من دون دليل واضح وأكيد، خاصة أن الادعاء يدعي أن المعتقل الصادق يحمل في جواله صورا للسيد حسن نصر الله، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أن الوقائع تؤكد أن المعتقل سلم نفسه إلى شرطة تاروت ولم يكن بحوزته أي هاتف، فكيف يتهم بوجود بعض الصور أو المشاهد على هاتفه بينما الهاتف لم يكن معه أصلا؟ فالمسألة لا تحتمل الشك أو التأويل أو التحليل لأن في الأمور الجزائية لا بدّ من دليل ثابت وأكيد كي يُبنى عليه توجيه التهم للأشخاص وإلا يجب الحكم بالبراءة، أما بالحديث بأن المعتقل الصادق اعترف بذلك فهذا يعود بنا لسؤال المحكمة هل حققت بالاعترافات التي أدلى بها ووقّع عليها تحت التعذيب أو حتى قيل أنه اعترف بها من قبل سلطات التحقيق التي تتولاها الأجهزة الأمنية.
تلفيق واختراع.. وانتهاكات قانونية وقضائية
كما يمكن رصد اختراع "لائحة الدعاوى" بعض المسائل وإدخالها ضمن التهم كإرسال المعتقل حسين الصادق التبرعات لمكتب الإمام الخميني، الذي تمت تصفية أموال مكتبه ونقلت إلى مكتب الإمام السيد علي الخامنئي، ما يطرح تساؤلات لماذا تم العودة إلى مرحلة وجود مكتب الإمام الخميني المتوفى في العام 1989، هل الهدف تضخيم الأمور وبث التهم الإضافية للمعتقل الصادق والإيحاء أمام الرأي العام بأنه كان على علاقة بمكتب الإمام الخميني، بالإضافة إلى أنه على علاقة بمكتب الإمام الخامنئي، بما يخدم تسييس القضية أكثر.
وعن جمع أمول الخُمس للمراجع الشيعة، هل يقبل أن يكون هذا الأمر جريمة يعاقب عليها القانون طالما أن الخُمس من الشعائر الدينية التي يحق للإنسان ممارستها وتأديتها بحسب مبادئ وأصول الدين، والمتهم قام -باعتراف لائحة الادعاء- بإرسال الأموال إلى حسابات المراجع الدينية ولم يقوم بتسليمها إلى جهة سياسية ولا تحت أي عنوان سياسي، فأي تهمة أو محظور ارتكب حتى يعتبر أنه يدعم أو يسهل دعم جماعات إرهابية؟
وعن الادعاء أن المعتقل الصادق التقى مواطنا مطلوبا خارج البلاد، يجب التأكد هل هذا الأمر تم فعلا؟ وهل هناك دليل يثبت ذلك؟ وأي مسؤولية يتحملها هذا الموقوف في هذا الأمر طالما أن الادعاء يتحدث عن أن الزائر جاء إليه وليس العكس وأن المعتقل لم يطلب اللقاء، واللافت والمستهجن أن من التهم الموجهة إلى هذا المعتقل أنه شارك في العام 1425 هـ (الموافق العام 2004 م) أي منذ 14 عاما بمسيرة احتجاجية على اعتقال نظام صدام حسين للمرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي، فهل هذا من الأمور المقبولة عقلا وقانونا؟ خاصة أن السيد الخوئي توفي ونظام صدام أسقط وصدام حسين نفسه أعدم، ولذلك يبقى السؤال ألم يسمع القضاء السعودي بسقوط التهم بمرور الزمن؟ هذا إن كانت قد حصلت الوقائع فعلا ولم يتم إلصاق التهم به من قبل الأجهزة الأمنية في المملكة.
كما يتهم المعتقل الصادق أنه شارك بمسيرات في العام 2012 أي أن الأمر له أبعاده السياسية الواضحة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، خاصة أن من يريد الانفتاح على الغرب وإعطاء الصورة الزاهية عن البلاد يجب أن يبادر فورا إلى وقف تجريم التظاهر، والسؤال هل في الغرب الذي نسعى للانفتاح عليه يعاقبون من يتظاهر وينظم المسيرات المعارضة للسلطة؟ هل رفع الصوت وانتقاد السلطة والمسؤولين هو أمر مباح أم لا هناك؟ ويمكن الاستفادة هنا من التظاهرات التي تعرض لها الحليف الوثيق والراعي الأول للحاكم في المملكة اليوم أي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي خرجت التظاهرات ضده بعيد انتخابه ولم يتم الزج بالمتظاهرين في المعتقلات كما يجري في المملكة.
الحرمان من حق الدفاع.. والعناية الطبية
بالإضافة إلى كل ذلك أكدت المعلومات أن السلطة ضيقت كثيرا على المعتقل الصادق بخصوص الاستعانة بمحام حيث لم يسمح له بذلك إلا بعد إصراره وبناء لمطالبات من المدعي العام، علما أن الحق بالدفاع عن النفس والاستعانة بمحام هو من الحقوق التي تقرها كل الأعراف القانونية والقضائية وقوانين أصول المحاكمات الجزائية الدولية والمحلية، وانتهاك هذه الحقوق بأي شكل من الأشكال هو من العيوب الجوهرية التي تؤدي إلى إبطال إجراءات المحاكمة برمتها، كما هو الحال في منع المعتقل الصادق من التواصل مع عائلته ورؤيتهم بحرية تامة وبشكل متواصل؟ كما تطرح التساؤلات عن الدور الذي لعبته المحكمة في التأكد من صحة المعلومات التي تتحدث أن الموقوف تعرض للتعذيب؟ هل حققت المحكمة بما أكده المعتقل نفسه في هذا الشأن؟
وبالسياق، أكدت المعلومات أن حسين الصادق حُرم من العناية الطبية اللازمة بعد تعرضه للتعذيب والضرب المبرح خلال التحقيق، ولفتت إلى أن "المحاكمة لا تتوافر فيها أبسط المبادئ القانونية التي يجب مراعاتها في المحاكمات كالنزاهة والشفافية والعلنية والمواجهة بالدليل لإثبات التهم على المتهم وإلا لا يجوز الحكم عليه، لأن الإنسان بريء حتى يُدان"، كما يسجل أحد أبرز الانتهاكات القضائية أن المحاكمة تمت بشكل سري في غرف مغلقة ولا نعرف ماذا جرى فيها، بما يضرب ويسقط كل ما ينتج عنها من آثار قانونية لاحقا.
هذا وقد خالفت السلطة السعودية أحد المبادئ العامة المعمول بها في المجال الجنائي قانونا وشرعا، عبر انتهاك مبدأ أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى"، وبما أن المستهدف هو المعتقل حسين الصادق، لماذا يتم الانتقام من أفراد عائلته لا سيما زوجته وأولاه الذين منعوا من السفر، كما رفضت السلطة تسجيل اسم ابنته ضمن وثائق الأحوال المدنية حتى إلزامه بدفع غرامة مالية فرضت عليه، على الرغم من أن الحكم النهائي لم يصدر بعد، وهنا يمكن تسجيل مخالفة قانونية جديدة أنه حكم عليه بالغرامة قبل البت بالدعوى القائمة أساسا وهذا ما لا يجوز بأي شكل من الأشكال.
كذلك يجب على المحكمة البحث في الظروف التي اعتقل بها حسين الصادق وكيفية حصولها وأسبابها الحقيقية، لأن الأكيد أن لها أبعادها السياسية الواضحة سواء بالانتقام من كل من يشارك بالحراك المدني السلمي والمسيرات التي تنظم بين فترة وفترة فالمعتقل الصادق هو أحد النشطاء الذين يشاركون في الفعاليات الوطنية للمطالبة بالحقوق، كما أن السلطة السعودية تسعى للقول إن بعض الجهات الخارجية لا سيما إيران تتدخل بالشؤون الداخلية السعودية، ما يؤكد أن القرار الذي سيصدر عن المحكمة هو قرار سياسي يتم إلباسه اللبوس القضائي بشكل صوري لا حقيقي في ظل هذه السلسلة الطويلة من الثغرات والانتهاكات التي تجعل القرار هو فعل أمر واقع أكثر منه حكما قضائيا، في تدليل على استمرار سياسة سحق الحقوق والحريات في المملكة وخضوع الناس لأنظمة وممارسات أمنية تجعلهم لا يأمنون على أنفسهم وعيالهم وأرزاقهم.
أضيف بتاريخ :2018/03/02