تقرير خاص: ماذا لو اشتعلت نيران #مضيق_هرمز؟
عبد الله علي
"حرب تلد حلاً" هكذا عنون الكاتب السعودي توفيق السيف مقالته في الأيام الأولى من الحرب على اليمن عام ٢٠١٥م، وكان قد اقتبس العنوان من كتاب "حرب تلد أخرى" للإعلامي العراقي سعد البزاز الذي كان يستعرض التاريخ السري للحرب في الخليج، اليوم وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب على اليمن، على عكس تفاؤل الكاتب "السيف"، تفاقم سعير النار أكثر من ذي قبل، وكوة النار التي أشعلت في اليمن، تكاد تنفجر على ضفاف الخليج الملتهب بسخونة احتكاك الصفائح الإيرانية السعودية، مما يجعل من عنوان الكاتب العراقي "حرب تلد أخرى" هو المرجح بفضل السياسات الأمريكية (الترامبية) الدافعة نحو المواجهة مع إيران.
محمد علي جعفري: قوات الحرس مستعدة لإغلاق مضيق هرمز إذا اقتضت الضرورة.
لماذا هدّد الحرس الثوري الإيراني بإغلاق مضيق هرمز؟
الحرب في منطقة الشرق الأوسط تلد حرباً أخرى، بعد سقوط مشاريع التقسيم والتغيير الجغرافي في منطقة الهلال الخصيب شمال الجزيرة العربية، ورجحان كفة محور (المقاومة) في ميدان المنازلة العسكرية في العراق وسوريا ولبنان، وعلى وقع معطيات الميدان في اليمن الذي مازالت النيران تشتعل فيه، ومع تصاعد القدرة العسكرية فيه على التصدي والمواجهة، ويشهد على ذلك الازدياد المطرد في أعداد الهجمات الباليستية على العاصمة الرياض، وكذلك ظهور بعض القدرات النوعية في معركة الحديدة على شواطئ البحر الأحمر، لجأ سيد البيت الأبيض (ترامب) إلى اللعب بالورقة الاقتصادية -اللعبة التي يظن أنه يتقنهاـ في توجيه ضربة مباشرة للاقتصاد الإيراني، ابتداءً من انسحابه الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وثم ضرب العملة الإيرانية عبر التلاعب بسوق العملات الإيرانية، الذي وصل ذروته الشهر الماضي بفقدان العملة الإيرانية أكثر من ٧٪ من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وصولاً للتصريحات الأخيرة لترامب والتي قال فيها أنه سيمنع تصدير النفط الإيراني بالكامل خلال أشهر قليلة، وطلب من الملك سلمان في اتصال هاتفي تعويضاً بمقدار ٢مليون برميل عن (الحصة الإيرانية) بديلاً لضمان استقرار أسعار النفط عالمياً.
الأمر الذي استدعى رداً سريعاً من الرئيس روحاني "سيناريو من هذا النوع يعني أن تفرض الولايات المتحدة سياسة إمبريالية في انتهاك فاضح للقوانين والقواعد الدولية، والسماح لكل منتجي النفط بتصدير نفطهم باستثناء إيران محض خيال ولا أساس له وجائر".
ولكن اللافت في الموضوع، دخول العامل العسكري في القضية بصورة مباشرة من قبل الحرس الثوري الإيراني بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز (الممر المائي الذي يزود العالم بـ ٢٠٪ من النفط)، وهي الورقة التي يحسن الإيرانيون اللعب بها عملياً أكثر من غيرها من الأوراق الإقتصادية أو الإعلامية، التهديدات الإيرانية تأخذ منحى جاد في هذا المنعطف الحساس والدقيق، يأتي هذا التهديد مع تصاعد درجات الاحتقان في الشارع الإيراني الذي بات يشعر بالاستهداف المباشر لأمنه القومي، الحرس الثوري صاحب تجربة طويلة في العمل تحت ظروف ضغط عالية ومعقدة، يهدد ويعلن الجاهزية لإغلاق المضيق والذي يصفه بشرب كأس ماء.
هل الاقتصاد السعودي مستعد للمواجهة؟
بعد نفي مسؤول سعودي قبول الملك سلمان طلب ترامب بتعويض النفط الإيراني في السوق، أعاد ترامب طلبه ولكن بلهجة أكثر رعونة بقوله: "ينبغي عدم نسيان أن من سلبيات خروج أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران خسارة الكثير من النفط، وعلى دول أوبك تعويض النقص.. إيران عدوة للعديد من دول أوبك.. وبالتالي يتوجب عليهم زيادة إنتاج النفط". الدفع الأمريكي بالسعودية للواجهة في الحرب الاقتصادية ضد إيران يستوجب أضرار محتملة للاقتصاد السعودي، إذ لا تخلو حرب من خسائر بين الطرفين، صحيح أن السعودية تعتبر من أكبر مصدري النفط في العالم وصاحبة الحصة الأعلى في منظمة أوبك، ولكن بالنظر لطبيعة البنية الاقتصادية للبلدين (إيران - السعودية)، نجد أن الاقتصاد السعودي يعتمد على مداخيل النفط بشكل رئيسي منذ عام ١٩٥٠م وعلى الرغم من وعود الحكومة بخططها الخمسية المتوالية على تخفيض الاعتماد على النفط، إلا أن جميع الخطط لم تفلح، ففي عام ٢٠١٦ شكلت إيرادات النفط أكثر من ٩٠٪ من إيرادات الميزانية. بينما سنوات الحصار الاقتصادي ضد إيران، أجبرت الحكومات الإيرانية على اعتماد خطط تخفيض الاعتماد على الواردات النفطية بدرجات متدنية، وبذلك فإن الخاسر الأكبر في حال منعت إيران تدفق النفط عبر مضيق هرمز هي السعودية بالدرجة الأولى ومن ثم بعض دول الخليج كالكويت التي لا تمتلك سوى منفذ المضيق لتصدير نفطها للعالم.
الدكتور عبد العزيز الدخيل (الخبير الاقتصادي السعودي)، كان قد تنبأ لأزمة مالية سعودية مرتقبة بدراسة علمية نشرها عام ٢٠١٦ في كتاب "أزمة مالية في طور التكوين" وبعدة عوامل أقل بكثير من حجم هذه المواجهة التي تلوح في الأفق، وكتب في نهاية الدراسة "ليس من الصعب القيام بتحديد ما ينبغي عمله، ولكن الصعب هو إقناع صناع السياسات بأن الإستراتيجيات والسياسات الاقتصادية الحكومية الحالية سوف تؤدي إلى إفلاس الحكومة مالياً واقتصادياً وما يتبع ذلك من آثار سياسية واجتماعية".
الحرب تلد حرباً والنار تجر ناراً أخرى
في النتيجة دخول منطقة الخليج الغنية بالنفط في حالة حرب عسكرية أو اقتصادية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بعواقبها وآثارها على المدى المنظور والبعيد، الانصياع سابقاً للرغبات الأمريكية بالتحريض على الحروب لم يورث سوى العنف والدمار لشعوب ومقومات المنطقة، وحرب الخليج الثانية (العراق - الكويت) والتي كانت منطلقها القضية النفطية في (منظمة أوبك)، حرب عصفت بالخليج والعراق على حد سواء، ومازالت آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قائمة لحد الآن.
أضيف بتاريخ :2018/07/06