التقارير

#تقرير_خاص: مستقبل الميزانية السعودية تحت ضغوط المشاريع الكبرى

علي الزنادي

تسجل الميزانية السعودية اليوم عجزاً متزايداً، إذ يظهر الربع الثالث من عام 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في العجز بلغ 30.2 مليار ريال، أي ما يقارب ضعف عجز الربع الثاني. 

ويعكس هذا الارتفاع المتسارع الإنفاق الاستثماري الضخم على المشاريع الكبرى، مثل نيوم والقدية، التي تمثل جزءاً محورياً من رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الطموحة لتحويل اقتصاد المملكة وتنويع مصادره بعيداً عن الاعتماد على النفط.

تعهدت السعودية بمواصلة مشاريعها العملاقة على الرغم من التحديات الاقتصادية الراهنة، حيث يتوقع البيان التمهيدي لميزانية 2025 أن يتواصل العجز حتى يبلغ ذروته في عام 2027 بقيمة تقدر بحوالي 140 مليار ريال. هذه الأرقام تثير جدلاً واسعاً حول النهج الذي يسلكه ولي العهد؛ فبينما يعتبر أن هذه الاستثمارات ضرورية لتحقيق التحول الاقتصادي المنشود، يرى البعض أنها تسهم في عجز الميزانية وتزيد من أعباء الاقتصاد السعودي على المدى القصير والمتوسط.

ماذا وراء هذا الإنفاق الكبير؟ يشكل التركيز على مشاريع ضخمة في السياحة والبنية التحتية والتقنية محاولة لبناء قاعدة اقتصادية مستدامة تُسهم في إيجاد فرص عمل وتنمية مصادر إيرادات جديدة. إذ يمكن القول بأن الهدف النهائي لهذه المشاريع هو تحقيق ما يسمى "العائد التنموي"، أي أن تدر هذه المشاريع عوائد مادية على المملكة وتسهم في تحسين جودة حياة المواطن السعودي على المدى الطويل.

ورغم أن بعض الخبراء يشيرون إلى التبعات الاقتصادية السلبية للعجز المتنامي، إلا أن مناصري هذه المشاريع يرون أن التحول الاقتصادي لا يمكن أن يتم دون المخاطرة بالاستثمار طويل الأمد، خاصة في ظل الاقتصاد العالمي المتغير واعتماد معظم اقتصادات العالم الكبرى على سياسات توسعية واستثمارية مماثلة، كالصين والهند والإمارات.

هل يمكن الاستمرار في هذا النهج؟ النهج الحالي يحمل فرصاً، ولكنه لا يخلو من التحديات. فالتوسع الاستثماري غير المتوازن قد يؤدي إلى تفاقم العجز المالي إذا لم تتمكن المشاريع الكبرى من تحقيق العائد المرجو منها في الوقت المناسب. ولعل الرهان الأساسي هنا يكمن في قدرة المملكة على جذب الاستثمارات الأجنبية لتشارك في تمويل هذه المشاريع، مما سيخفف من الأعباء المالية ويضمن للمملكة مصادر تمويل متنوعة ومستدامة.

ومن ناحية أخرى، فإن استمرار العجز بهذا المعدل قد يشكل تحدياً أمام الخطط الاقتصادية، إذ قد تضطر الحكومة لخفض الإنفاق في مجالات أخرى ضرورية، أو زيادة الاعتماد على الاقتراض المحلي والخارجي، مما قد ينعكس سلباً على الاستقرار المالي. ويثير هذا تساؤلاً هاماً حول قدرة السعودية على تحقيق التوازن بين الطموح التنموي وضبط العجز في آن واحد.

الخلاصة: توازن دقيق بين الطموح الاقتصادي والاستدامة المالية تبدو المملكة أمام خيار صعب، فإما الاستمرار في مشاريع التحول الاقتصادي الضخمة على أمل تحقيق إيرادات جديدة، أو التوقف للتقييم وضبط الإنفاق في ظل العجز المتنامي. ومهما كانت السياسة المالية التي ستتبناها المملكة في السنوات المقبلة، فإنها ستحتاج إلى نهج مرن يجمع بين الطموح التنموي والحرص على الاستدامة المالية لضمان مستقبل اقتصادي مزدهر ومستقر للأجيال المقبلة.

أضيف بتاريخ :2024/11/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد