#تقرير_خاص: السعودية وسوريا: من دعم المعارضة إلى احتضان الجبهة
عبدالله القصاب
على مدار سنوات الأزمة السورية، شهدت السياسة السعودية تحولًا دراماتيكيًا في موقفها تجاه الصراع المستمر. في البداية، كانت المملكة تدعو إلى إسقاط نظام بشار الأسد، وتقديم الدعم للجماعات المسلحة التي تسعى لتحقيق هذا الهدف. ومع مرور الوقت، بدأت ملامح هذا الموقف تتغير بشكل ملحوظ، مما أثار تساؤلات حول الاستراتيجية السعودية في المنطقة.
في عام 2011، ومع اندلاع الثورة السورية، كانت السعودية من أوائل الدول التي دعمت مطالب الشعب السوري. فقد أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز حملة لجمع التبرعات لصالح الشعب السوري، وجمعت المملكة مبلغ 72 مليون دولار في إطار هذه الحملة. كما كان هناك تأكيدات مستمرة من قبل المسؤولين السعوديين على ضرورة تسليح المعارضة السورية.
ومع ذلك، ومع تزايد تعقيدات الصراع وتدخل القوى الإقليمية والدولية، بدأ الموقف السعودي يتسم بالارتباك. ففي الوقت الذي كانت فيه الرياض تدعم الجماعات المسلحة مثل "الجيش السوري الحر"، كانت هناك محاولات لإعادة تأهيل النظام السوري عربيًا. هذا التناقض يعكس عدم وضوح الرؤية الاستراتيجية للمملكة تجاه سوريا.
الأكثر إثارة للجدل هو التقارب الأخير بين السعودية وجبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني. فبعد سنوات من التصريحات التي تصف النظام السوري بأنه "فاقد للشرعية"، يبدو أن الرياض قد بدأت تتجه نحو احتضان بعض الجماعات المسلحة التي كانت تعتبرها خصومًا سابقين. هذا التحول يطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للسعودية في سوريا.
من جهة أخرى، يمكن تفسير هذا التحول كاستجابة للتغيرات الجيوسياسية في المنطقة. فمع تراجع النفوذ الأمريكي وزيادة تأثير روسيا وإيران في سوريا، قد تجد السعودية نفسها مضطرة لتغيير استراتيجيتها لضمان مصالحها الوطنية والأمنية.
لكن السؤال يبقى: هل ستنجح هذه السياسة الجديدة في تحقيق الاستقرار المنشود؟ أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الفوضى والانقسام؟ إن التاريخ يعلمنا أن التحولات السياسية غالبًا ما تكون محفوفة بالمخاطر.
في النهاية، يجب على المملكة أن تعيد تقييم سياستها تجاه سوريا بعناية وأن تضع استراتيجية واضحة تستند إلى المصالح الوطنية والأمن الإقليمي. فالاستمرار في سياسة التناقض لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات وتعميق الانقسامات داخل المجتمع السوري وخارجه.
إن ما يحدث اليوم هو درس مهم للدول الأخرى حول كيفية التعامل مع الأزمات السياسية المعقدة؛ فالتغيير السريع للمواقف قد يكون له عواقب غير متوقعة تؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي لعقود قادمة.
أضيف بتاريخ :2025/01/08