التقارير

#تقرير_خاص: الاستثمار في نيوكاسل: لعبة النفوذ والسمعة في زمن التغيير

علي الزنادي

في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة الرياضية، برز كتاب "Engulfed" للكاتب البريطاني جيمس مونتاغيو كواحد من أكثر الكتب جرأة وجرأة في نقد الاستثمارات السعودية في كرة القدم، وتحديدًا صفقة استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي نيوكاسل يونايتد. هذا العمل يسلط الضوء على الأبعاد السياسية والأخلاقية التي غالبًا ما تُغفل أمام بريق الملاعب وألوان الفرق.

يذهب المؤلف إلى أن الصفقة لم تكن مجرد استثمار رياضي أو مالي، بل كانت خطوة محسوبة ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز صورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الساحة الدولية. فبعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، أصبحت صورة المملكة تواجه تحديات كبيرة، واستثمارها في نادي كرة قدم شهير هو محاولة لإعادة رسم الصورة الذهنية للمملكة بشكل غير رسمي.

من خلال هذا السياق، يُنظر إلى صفقة نيوكاسل كجزء من مشروع "القوة الناعمة" الذي تتبناه رؤية 2030، حيث تسعى الرياض لاكتساب النفوذ والتأثير عبر أدوات غير تقليدية مثل الرياضة والثقافة. فبدلاً من الاعتماد على القوة العسكرية أو الاقتصادية فقط، تتجه السعودية نحو بناء علاقات عامة قوية من خلال استثمارات رياضية تلامس حياة الجماهير وتُشعرهم بالتغيير الإيجابي.

لكن السؤال الأخلاقي يظل قائمًا: هل يمكن فصل الاستثمار الرياضي عن قضايا حقوق الإنسان والانتهاكات التي ترتكبها المملكة؟ فالكتاب يسلط الضوء على صمت السياسيين البريطانيين والمؤسسات المحلية في نيوكاسل رغم الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان داخل السعودية وخارجها. هذا الصمت يثير تساؤلات حول مدى تأثير المصالح الاقتصادية على مواقف الحكومات والمؤسسات.

وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى الاستثمار في كرة القدم كوسيلة لتعزيز الاقتصاد المحلي وإثراء حياة المشجعين، فإن هناك مخاطر حقيقية تتمثل في تحويل الرياضة إلى أداة للتجميل السياسي والتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان. فهل يمكن أن يكون هناك توازن بين الاستفادة الاقتصادية والأخلاقية؟ أم أن المصلحة السياسية تتفوق دائمًا على المبادئ؟

الكتاب يثير أيضًا جدلاً حول أخلاقيات الاستثمار الأجنبي في قطاعات حساسة مثل الرياضة، خاصة عندما تكون خلفيات المستثمرين مثار جدل دولي. فهل يجب أن نسمح لاستثمارات ذات خلفيات سياسية أو حقوقية مثيرة للجدل بأن تسيطر على رموز ثقافية ورياضية تعتبر ملكًا للجماهير؟

وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا أمام المجتمع الدولي والجماهير: هل يمكن أن نثق بمشاريع رياضية تمولها دول ذات سجل حقوقي مشكوك فيه؟ أم أن علينا أن نكون أكثر وعيًا ونقديًا تجاه ما يُقدم لنا من عروض مغرية مقابل التنازل عن مبادئنا الأخلاقية؟

إن استثمار السعودية في نيوكاسل يعكس تحولات عميقة في مفهوم القوة والنفوذ، حيث أصبحت الصورة والسمعة أدوات أساسية لتحقيق الأهداف الوطنية والدولية. لكن تبقى الأخلاقيات والقيم الإنسانية هي المعيار الحقيقي الذي يجب ألا يُضحى به مقابل مكاسب قصيرة الأمد.

ختامًا، يدعونا كتاب "Engulfed" إلى إعادة التفكير فيما إذا كانت الرياضة حقًا وسيلة للتوحيد والإلهام أم أنها ساحة جديدة للصراعات السياسية والاقتصادية تحت ستار الترفيه والتشجيع. فالمسؤولية تقع علينا جميعًا كمجتمع دولي ومشجعين لنتساءل: هل نحن مستعدون لدعم مشاريع قد تخدم أنظمة تنتهك حقوق الإنسان؟

أضيف بتاريخ :2025/04/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد