التقارير

#تقرير_خاص: السعودية وأزمة السيطرة على أسواق النفط: هل تفقد المملكة أوراقها في لعبة القوة الاقتصادية؟

علي الزنادي

تواجه السعودية اليوم تحديًا غير مسبوق في ساحة أسواق النفط، حيث تبدو محاولاتها لاستعادة حصتها السوقية وتوجيه أسعار النفط وفق مصالحها في مهب الريح. فبعد سنوات من الاعتماد على سياسة خفض الإنتاج لرفع الأسعار، تجد المملكة نفسها الآن في موقف صعب، خاصة مع تصعيدها الأخير ضد حلفائها في مجموعة أوبك بلاس.

في محاولةٍ واضحة لاستغلال انخفاض أسعار النفط كأداة ضغط دبلوماسية، قررت السعودية شن حرب أسعار ضد بعض أعضاء المنظمة، وعلى رأسهم كازاخستان. الهدف كان فرض نظام حصص إنتاجية صارم يضمن تقليل الإنتاج وزيادة الأسعار، لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال. فبدلاً من أن تفرض السعودية سيطرتها، أظهرت الأزمة أن اللعبة أصبحت أكثر تعقيدًا من مجرد إصدار أوامر وفرض حصص.

وكالة “بلومبرغ” كشفت أن الرياض اعتبرت أستانا مخالفة لأهداف المنظمة، وأنها حاولت فرض عقوبات اقتصادية غير رسمية عبر زيادة الإنتاج بشكل متسارع لإجبار الكازاخستانيين على التراجع. إلا أن الأخيرة لم تتجاوب، لأنها تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط وتخوض مفاوضات مع شركات عالمية للحفاظ على استقرار اقتصادها.

هذه الحالة تعكس مدى هشاشة استراتيجية السعودية في إدارة سوق النفط العالمية. فبالرغم من انخفاض خام برنت بنسبة 15 بالمئة منذ بداية العام، فإن محاولات فرض نظام حصص صارم لم تؤتِ ثمارها، بل زادت من تعقيد المشهد الاقتصادي والسياسي. فالسعودية التي كانت تعتبر نفسها لاعبًا لا يُقهر في سوق الطاقة، تجد الآن نفسها تواجه تحديات داخلية وخارجية تتطلب إعادة تقييم لسياساتها.

من جهة أخرى، فإن ارتفاع إنتاج المملكة النفطي قد يثير توقعات بمزيد من التخفيضات المستقبلية؛ إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه الاستراتيجية قد تكون قد وصلت إلى طريق مسدود. فالفشل في التأثير على السوق يعكس ضعف أدوات الضغط التي كانت تعتمد عليها سابقًا، ويضع مستقبل السياسة النفطية السعودية أمام تساؤلات كبيرة حول مدى قدرتها على الحفاظ على مكانتها كقوة نفطية لا يُستهان بها.

وفي النهاية، يبدو أن لعبة أسواق النفط قد دخلت مرحلة جديدة تتطلب مرونة واستراتيجيات أكثر ذكاءً من مجرد فرض حصص أو شن حرب أسعار قصيرة الأمد. فالسعودية بحاجة إلى إعادة النظر في نهجها لضمان استقرار سوق الطاقة العالمي وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية بعيدًا عن التصعيد غير المجدي الذي قد يكلفها الكثير مستقبلًا.

ختامًا، يمكن القول إن السعودية فقدت جزءًا من أوراق لعبتها التقليدية في سوق النفط؛ وما يحدث الآن هو درس قاسٍ يُظهر أن السيطرة المطلقة ليست دائمًا ممكنة عندما تتداخل المصالح الاقتصادية مع الديناميات السياسية العالمية. وعلى المملكة أن تتعلم كيف تدير هذه اللعبة بحكمة أكبر لضمان مصالح شعبها ومستقبل اقتصادها الوطني.

أضيف بتاريخ :2025/05/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد