#تقرير_خاص: ذا لاين: مشروع عمراني يواجه تحديات بيئية تتطلب إعادة النظر

عبدالله القصاب
في ظل التطور العمراني السريع الذي يشهده العالم، يبرز مشروع “ذا لاين” كواحد من أكثر المشاريع طموحًا وإثارة للجدل على مستوى العالم. يمتد هذا المشروع المذهل بطول مئة وسبعين كيلومترًا في منطقة تبوك، ويهدف إلى تقديم نموذج حضري مستدام يتناغم مع البيئة، لكن الانتقادات التي تواجهه تتعلق بشكل رئيسي بتأثيراته البيئية المحتملة، خاصة على الطيور المهاجرة.
تصميم الواجهة الزجاجية العاكسة التي تميز المشروع يُعد أحد أبرز أسباب القلق. فهذه الواجهة، رغم جمالها وتقنياتها الحديثة، قد تشكل خطرًا حقيقيًا على الطيور المهاجرة التي تتخذ مسارات ثابتة خلال مواسم الهجرة. إذ يُنذر تصميمها بخطر اصطدام أسراب الطيور بجدرانها الزجاجية، وهو ما دفع ناشطين وخبراء إلى وصفه بـ"جدار موت الطيور"، في إشارة إلى التهديد الذي يواجه التنوع البيولوجي في المنطقة.
وفي سياق ذلك، كشف تقرير تقييم الأثر البيئي للمشروع عن مخاطر بيئية تتطلب حلولًا تقنية ومعمارية مبتكرة. من بين المقترحات المطروحة استخدام تقنيات التمويه البصري أو استبدال الزجاج بمواد غير عاكسة تقلل من احتمالية تصادم الطيور. إلا أن استمرار أعمال البناء وسط هذه التحذيرات يعكس عجزًا واضحًا عن التعامل الجدي مع هذه المخاطر قبل أن تتفاقم.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه عمليات الإنشاء، تظهر مخاوف من أن التأخيرات الناتجة عن قضايا الميزانية والنفقات غير المدروسة قد تؤدي إلى تفاقم الأضرار البيئية بدلاً من الحد منها. فالمسؤولون عن المشروع مطالبون الآن بإعادة تقييم الأولويات وتوجيه الجهود نحو حماية البيئة قبل فوات الأوان.
أما الخبراء البيئيون، فهم يحذرون من أن إرباك الواجهة للطيور يمكن أن يؤدي إلى نفوق جماعي وتدهور التنوع البيولوجي في المنطقة بشكل لا يمكن تعويضه لاحقًا. إذ إن الطبيعة لا تعترف بالتصاميم العمرانية الحديثة عندما يتعلق الأمر بحماية الكائنات الحية التي تعتمد على مسارات هجرية محددة.
وفي ظل استمرار الجدل حول المشروع، تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى إمكانية إجراء تعديلات على الخطة الحالية لضمان الحد الأدنى من الضرر البيئي. هل يمكن تعديل التصميم ليعكس التوازن بين التطوير والتنمية المستدامة؟ أم أن الرغبة في إبراز صورة قيادية ستتغلب على الاعتبارات البيئية؟
إن الكوكب ليس مضطرًا لدفع ثمن المخاطر العمرانية مقابل مشاريع طموحة تُروج لصورة قيادتها السياسية أو الاقتصادية. فالتنمية المستدامة تتطلب احترام حدود الطبيعة وعدم تجاوزها، خاصة عندما يكون الثمن هو التنوع الحيوي والبيئة التي تعتمد عليها حياة الإنسان والكائنات الأخرى.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لمشروع “ذا لاين” أن يتحول إلى نموذج يُحتذى به عالميًا إذا أُعيدت صياغته بحيث يدمج بين الابتكار والحفاظ على البيئة؟ أم أنه سيظل مثالاً على تطور عمراني يتجاهل التحديات البيئية ويهدد استدامة الكوكب؟
إن مسؤولية المجتمع الدولي والقيادات المحلية تكمن في وضع مصلحة البيئة فوق كل اعتبار آخر. فالتطوير العمراني يجب ألا يكون على حساب الطبيعة؛ بل يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية متكاملة تضمن مستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة.
أضيف بتاريخ :2025/07/02