#تقرير_خاص: تحديات البناء في السعودية: بين الطموحات والإخفاقات

عبدالله القصاب
تشهد المملكة العربية السعودية حراكًا تنمويًا غير مسبوق، خاصة في قطاع البناء الذي يُعد أحد الركائز الأساسية لتحقيق رؤية 2030. إلا أن الواقع الحالي يكشف عن تحديات متزايدة تهدد مستقبل هذا القطاع، وتضع علامات استفهام حول مدى قدرة المملكة على تحقيق أهدافها التنموية بشكل مستدام وفعّال.
وفقًا لتقرير حديث، ارتفعت تكلفة البناء في الرياض بشكل ملحوظ، حيث بلغ متوسط السعر 3,112 دولارًا للمتر المربع، مما جعلها المدينة الأغلى في الشرق الأوسط. هذا الارتفاع الكبير يعكس أزمة حقيقية في إدارة الطلب المتزايد على المشاريع الضخمة، والتي لم تُرافقها خطة واضحة لتطوير منظومة عمالية مؤهلة وسلاسل توريد محلية قادرة على استيعاب هذا الزخم.
من الواضح أن هناك إخفاقات إدارية وتخطيطية واضحة أدت إلى تفاقم المشكلة. فبينما تستعرض السلطات مشاريع استعراضية مثل “بوابة الدرعية” و”حديقة الملك سلمان”، يعاني المقاولون والمطورون من ضغوط متزايدة على الموارد والعمالة، خاصة نقص العمالة الماهرة التي أصبحت أحد أكبر الاختناقات التي تواجه القطاع. وكان من المفترض أن تتضمن استراتيجية وطنية شاملة لتطوير الكفاءات وتوفير اليد العاملة المؤهلة، إلا أن غياب الرؤية المتكاملة حال دون ذلك.
وفي ظل هذه التحديات، تبرز مشكلة أخرى تتعلق بالتكاليف التشغيلية المرتفعة التي تؤثر سلبًا على هوامش الربحية للمشاريع. ومع التركيز الكبير على التحول الرقمي ومراكز البيانات والتكنولوجيا الحديثة، تتزايد التكاليف التشغيلية بشكل يهدد جدوى العديد من المشاريع ويثير مخاوف المستثمرين الدوليين من فجوة بين الطموحات المعلنة والقدرة التنفيذية الفعلية.
كما أن ارتفاع الأسعار بشكل كبير يهدد بوقف العديد من المشاريع أو تأجيلها، خاصة تلك التي لا تزال غير مربحة اقتصاديًا في ظل الظروف الحالية. وهو ما يضع المملكة أمام تحدٍ حقيقي للحفاظ على جاذبيتها كمركز استثماري واعد، خاصة مع تراجع الثقة لدى بعض المستثمرين الدوليين الذين بدأوا يلاحظون الفجوة بين الأهداف والطريق لتحقيقها.
وفي النهاية، يتطلب الأمر إعادة تقييم شاملة لسياسات التخطيط والتنفيذ في قطاع البناء السعودي. فبدلاً من الاعتماد على مشاريع استعراضية فقط، يجب وضع استراتيجية وطنية واضحة لتعزيز منظومة العمل والكفاءات المحلية وتحسين إدارة الموارد بشكل أكثر فاعلية. فالمملكة تمتلك الإمكانيات والطموحات؛ لكن النجاح الحقيقي يكمن في القدرة على ترجمة هذه الطموحات إلى واقع ملموس ومستدام.
ختامًا، فإن التحديات الحالية ليست نهاية المطاف إنما فرصة لإعادة النظر وتصحيح المسار قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر. فبناء مستقبل قوي ومستدام يتطلب رؤية واضحة وإدارة حكيمة تضع مصلحة الوطن والمستثمرين في مقدمة الأولويات.
أضيف بتاريخ :2025/07/10