#تقرير_خاص: السعودية واستحواذها على صناعة ألعاب الفيديو: طموحات اقتصادية وأبعاد سياسية

عبدالله القصاب
شهدت فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض، التي انطلقت في الثاني عشر من يوليو، تصاعداً واضحاً في حضور السعودية على ساحة صناعة ألعاب الفيديو. فبدعم من صندوق الاستثمارات العامة، الذي يعتزم إنفاق 38 مليار دولار على قطاع الألعاب بحلول عام 2030، تتجه المملكة نحو تعزيز مكانتها كقوة عالمية في هذا المجال المتنامي. هذا الاستثمار الضخم يعكس رغبة السعودية في تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، وتحويل قطاع الألعاب إلى رافعة رئيسية للنمو الاقتصادي.
من خلال شركة “سافي للألعاب”، استحوذت السعودية على حصص كبيرة في شركات عملاقة مثل Take-Two Interactive وActivision Blizzard وElectronic Arts. هذه الخطوة ليست مجرد استثمار مالي، بل رسالة واضحة عن نيتها أن تكون لاعباً رئيسياً في صناعة الألعاب العالمية. إذ يُنظر إلى هذا التوجه كجزء من استراتيجية أوسع لبناء قوة ناعمة تُمكن المملكة من تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.
لكن وراء هذه الطموحات الاقتصادية تكمن مخاطر وتحديات كبيرة. فكما أشار تقرير صحيفة "The Observer"، فإن تدفق رأس المال السعودي شكل بمثابة طوق نجاة لصناعة الألعاب التي كانت تعاني من تباطؤ في النمو. ومع ذلك، فإن السيطرة التي تمنحها الدولة على هذا القطاع تثير تساؤلات حول مدى استقلاليته وتأثره بالسياسات الداخلية والخارجية للمملكة.
وفي سياق متصل، يُبرز خبراء مثل Joost van Drunen أن الألعاب ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي رهان استراتيجي للسعودية على اقتصاد ما بعد النفط. فهي تُستخدم كوسيلة لبناء القوة الناعمة وتعزيز الصورة الدولية للمملكة، خاصة مع غياب إصلاحات سياسية حقيقية تواكب الطموحات الاقتصادية الكبرى.
لكن الأمر لا يخلو من المخاطر السياسية والأخلاقية. فالسجل السعودي فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان يثير قلق المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية. ويُلاحظ أن النظام يستخدم أدوات رقمية وتكنولوجية متقدمة لرصد وملاحقة النشطاء والمعارضين، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على البيئة الرقمية وصناعة الألعاب بشكل خاص.
هذا الاستخدام الرقمي المتزايد يعكس توجه النظام نحو توظيف التكنولوجيا لأغراض قمعية وأمنية أكثر منه لتحقيق تطور حقيقي وشفاف في القطاع الترفيهي والتكنولوجي. وبالتالي، فإن الاستثمار الكبير في صناعة الألعاب قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي دون تقديم إصلاحات حقيقية داخل البلاد.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح السعودية في تحقيق أهدافها الاقتصادية عبر صناعة الألعاب دون أن تتأثر بالمخاطر السياسية والأخلاقية المرتبطة بسياساتها الداخلية؟ أم أن الطموحات الكبيرة ستواجه تحديات أخلاقية وسياسية قد تعيق مسيرتها؟
إن مستقبل صناعة الألعاب السعودية مرهون بكيفية إدارة هذه التوازنات الدقيقة بين الطموح الاقتصادي والاعتبارات الأخلاقية والسياسية. فبينما تتطلع المملكة إلى بناء قوة ناعمة قوية عبر قطاع التكنولوجيا والترفيه الرقمي، يبقى عليها أن توازن بين مصالحها الوطنية وحقوق الإنسان والشفافية الدولية لضمان نجاح مستدام ومثمر لهذا القطاع الحيوي.
أضيف بتاريخ :2025/07/14