#تقرير_خاص: السعودية وتحديات النفوذ في سوريا: استثمار سياسي أم محاولة لذر الرماد في العيون؟

عبدالله القصاب
في ظل التطورات الأخيرة، يظهر أن السعودية تسعى لتعزيز نفوذها في سوريا من خلال دعمها المالي والسياسي لرئيس الإدارة المؤقتة أحمد الشرع. هذا التوجه، الذي أشار إليه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يعكس رغبة الرياض في استثمار أموالها كوسيلة فعالة لكسب موطئ قدم داخل المشهد السوري المتغير.
تُعد زيارة وفد سعودي إلى دمشق والإعلان عن استثمارات بقيمة ستة مليارات دولار مؤشرًا واضحًا على نية المملكة في تعزيز حضورها السياسي، خاصة في ظل المنافسة المحتدمة مع دول أخرى مثل قطر وتركيا والإمارات. فالسعودية ترى أن الاستثمار المالي هو أداة فعالة لتثبيت نفوذها وتحقيق مصالحها الإقليمية، وهو ما يبرر توجهها نحو دعم الشرع بشكل علني.
لكن، وعلى الرغم من هذه الخطوات الظاهرة، تبرز مشكلة جوهرية تتعلق بغياب خطة واضحة لإعادة إعمار سوريا وتحديد القطاعات ذات الأولوية. فبدون استراتيجية واضحة ومحددة المعالم، تظل الزيارة السعودية مجرد إشارة سياسية أكثر منها خطوة عملية ذات أثر ملموس على الواقع السوري.
وفي سياق ذلك، تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة بناء سوريا تصل إلى حوالي 500 مليار دولار، نظرًا لتدمير البنى التحتية والقطاعات الإنتاجية بشكل شبه كامل. هذا الرقم الضخم يضع الاستثمارات السعودية المحدودة في سياق محدود جدًا مقارنة بحجم الدمار والتحديات التي تواجه البلاد.
وبالتالي، فإن مبلغ الستة مليارات دولار المعلن عنه لا يتعدى محاولة لذر الرماد في العيون، خاصة وأن قانون قيصر لا يزال ساري المفعول على سوريا ويعيق أي جهود حقيقية لإعادة الإعمار أو جذب الاستثمارات الأجنبية بشكل فعال. فالقانون يفرض عقوبات صارمة على النظام السوري ويحد من فرص التعاون الاقتصادي الحقيقي مع المجتمع الدولي.
من هنا يتضح أن الدعم السعودي الحالي يركز بشكل أكبر على الجانب السياسي والرمزي أكثر منه على تحقيق نتائج عملية ملموسة على الأرض. فالسعودية تسعى لتعزيز مكانتها الإقليمية عبر تقديم دعم رمزي يُظهر رغبتها في لعب دور محوري بسوريا، لكن دون وجود خطة واضحة لإحداث تغيير حقيقي ومستدام.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى جدوى هذه التحركات إذا لم تترافق مع خطوات عملية وإصلاحات جذرية تضمن إعادة بناء سوريا بشكل شامل ومستدام. فالمساعدات المالية وحدها لن تكون كافية إذا لم تكن مصحوبة بسياسات واضحة ومرنة تسمح بتجاوز العقبات القانونية والسياسية التي تعيق إعادة الإعمار والاستثمار الحقيقيين.
ختامًا، يمكن القول إن السعودية تواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق أهدافها السورية؛ فهي بحاجة إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين الدعم السياسي والاقتصادي الحقيقيين، وتعمل على تجاوز العقبات القانونية والسياسية التي تعيق تقدم البلاد نحو الاستقرار والتنمية المستدامة. وإلا فإن مجرد دعم رمزي أو استثمارات محدودة ستظل مجرد محاولات لذر الرماد في العيون دون أن تؤدي إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.
أضيف بتاريخ :2025/08/08