#تقرير_خاص: صفقات الترفيه على حساب حقوق الإنسان: هل تضحّي المؤسسات الثقافية بقيمها من أجل المال؟

علي الزنادي
في ظل الضجة الإعلامية التي تثيرها السعودية منذ سنوات حول استثماراتها في مشاريع ترفيهية، تظهر الوقائع أن هذه الاستثمارات غالبًا ما تكون مجرد غطاء لتحقيق مكاسب مالية، على حساب المبادئ والقيم الإنسانية. أحدث مثال على ذلك هو الاتفاق بين دار الأوبرا الملكية في الدرعية وأوبرا ميتروبوليتان في نيويورك، الذي يثير الكثير من التساؤلات حول مدى تأثير المصالح المالية على قرارات المؤسسات الثقافية الكبرى.
فوفقًا لتقرير صادر عن موقع الأوبرا في الثالث من سبتمبر 2025، فإن المؤسسة التي تعاني من أزمة مالية خطيرة أعلنت عن اتفاق يقضي بإقامة عروض في السعودية لمدة ثلاثة أسابيع كل شتاء مقابل أكثر من 100 مليون دولار. هذا المبلغ الضخم يعكس مدى اعتماد هذه المؤسسات على التمويل الخارجي، حتى لو كان ذلك على حساب قضايا حقوق الإنسان الأساسية.
وفي تعليقٍ له على الصفقة، أكد المدير العام لأوبرا ميتروبوليتان، بيتر غيلب، أن الاتفاق سيساعد بشكل كبير في تغطية احتياجات المؤسسة المالية حتى عام 2032. ومع ذلك، عندما سُئل عن انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، رد غيلب بشكل يفتقر إلى الحس الأخلاقي، قائلاً إنه يجب عليه أن يضع بقاء المؤسسة أولاً وأنه لا يدير الأوبرا وفقًا لمشاعره الشخصية تجاه القضايا السياسية أو الحقوقية.
هذا التصريح يكشف عن تناقض واضح بين المبادئ الإنسانية والقرارات الاقتصادية التي تتخذها المؤسسات الثقافية الكبرى. فتصريح غيلب يتجاهل بشكل صارخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السعودية، ويضع الربح المادي فوق القيم الأخلاقية والإنسانية.
موقع Slipped Disc انتقد بشدة هذا التوجه، معتبرًا أن تجاهل مدير عام ميتروبوليتان لانتهاكات حقوق الإنسان يمثل استهتارًا بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية. وهو ما يعكس ظاهرة أوسع تتكرر مع العديد من المؤسسات الرياضية والثقافية التي تتعامل مع دول تنتهك حقوق مواطنيها دون أن تضع ذلك ضمن أولوياتها.
هذه الصفقات تُظهر كيف أن بعض المؤسسات الثقافية تتخلى عن مسؤوليتها الأخلاقية مقابل حفنة من الدولارات. فالمبادئ والقيم الإنسانية يجب ألا تكون مجرد شعارات تُرفع عند الحاجة فقط؛ بل يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من السياسات والاستراتيجيات التي تتبعها هذه المؤسسات.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه العديد من المنظمات الدولية عن ضرورة احترام حقوق الإنسان وتعزيز الحريات، نجد أن بعض الجهات تسير عكس ذلك تمامًا، مستفيدةً من الفرص الاقتصادية لتحقيق أرباح ضخمة دون اعتبار للآثار السلبية على سمعتها أو مصداقيتها.
ختامًا، ينبغي للمؤسسات الثقافية والفنية أن تعيد تقييم مواقفها وتضع مبادئ حقوق الإنسان نصب أعينها قبل أي اعتبارات مالية. فالثقافة والفن يجب أن يكونا وسيلة لنشر السلام والعدالة وليس أدوات لتحقيق مصالح ضيقة على حساب كرامة الشعوب وحقوقهم الأساسية. إن التخاذل أمام انتهاكات حقوق الإنسان لن يُعطي إلا شرعية للاستبداد والتسلط ويهدد قيم الحرية والعدالة التي يفترض أن تمثلها تلك المؤسسات.
أضيف بتاريخ :2025/09/08