التقارير

#تقرير_خاص: تأملات في توتر العلاقات السعودية المصرية: مصالح وتحديات في زمن التحولات الكبرى

علي الزنادي

تشهد العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر تصعيدًا ملحوظًا يعكس صراعًا خفيًا على النفوذ والقرار في المنطقة، وهو توتر قد يمر بتحولات كبيرة تتجاوز الحدود الدبلوماسية التقليدية. فمن المعروف أن كلا البلدين يمتلكان وزنًا إقليميًا ودوليًا كبيرًا، إلا أن مصالحهما المتباينة أحيانًا، وتفاوت أدائهما في مواجهة التحديات، أدت إلى إحداث فجوة في مستوى الثقة والتفاهم بينهما.

السعودية، التي لا تزال تعتبر نفسها مركز ثقل المنطقة، تجد صعوبة في تقبل الدور المتنامي لمصر، خاصة في ملفات حساسة مثل مفاوضات غزة، واستئناف التعاون بين إيران ووكالة الطاقة الذرية برعاية مصرية. هذه التحركات، التي تستهدف تعزيز النفوذ الإقليمي لمصر، تعتبرها الرياض تهديدًا لمكانتها واستراتيجيتها في المنطقة، وهو ما يفتح الباب أمام صراع على النفوذ يعكس رغبة كل طرف في الحفاظ على مواقعه ومصالحه.

وفي سياق ذلك، تكشف تحليلات صحافية، مثل تلك التي قدمتها صحيفة نيوزويك، عن أبعاد أعمق لهذا النزاع، خاصة فيما يتعلق بمساعدات المصريين في السعودية والتحويلات المالية التي يرسلونها. إذ أصبحت هذه التحويلات أدوات ضغط، تستخدمها الرياض لإخضاع النظام المصري، على الرغم من أن القاهرة ترفض الخضوع وتعتبر أن ذلك يهدد سيادتها ويقوض نموذجها السياسي القائم على الدولة المركزية والجيش.

أما على الصعيد الداخلي، فإن التصعيد الإعلامي غير المسبوق يعكس تصعيدًا نفسيًا واستراتيجيًا، حيث يقود مؤثرون من كلا الجانبين حملات اتهام وإهانات، من دون الاكتراث للروابط التاريخية والجغرافية بين البلدين. وهذا يؤشر إلى أن الصراع تجاوز الحدود الرسمية، ليصبح معركة على الرأي العام وفرض الأجندات عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.

وفي موازاة ذلك، يدرك المصريون أن التراجع أمام الضغوط السعودية قد يؤدي إلى انهيار مرتكزات النظام، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها، والتي تتفاقم مع استمرار القطيعة الاقتصادية. وفي المقابل، تدرك السعودية أن انهيار مصر قد يخلق فراغًا إقليميًا قد تملؤه قوى أخرى مثل تركيا أو إيران، مما يعقد المشهد ويهدد مصالحها الأمنية والسياسية.

على المدى البعيد، يبدو أن كلا الطرفين يلعبان لعبة موازنة، حيث يحاولان ضبط وتيرة النزاع لمنع تصاعده إلى درجة تهدد مصالحهما الحيوية. إذ أن تدهور العلاقات قد يرسل إشارات سلبية لعدد من الدول المجاورة، ويساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي الذي يسعى الجميع للحفاظ عليه.

وفي الختام، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الطرفين على إدارة هذا الصراع بطريقة تضمن مصالحهما، دون أن يتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، قد تعمّق أزمات المنطقة وتفتح أبواب الفوضى. فالتاريخ يشهد أن التوترات بين الدول الكبرى، إن لم تُحسن إدارتها، قد تتحول إلى معارك أضعفت من قدراتها وأضعفت استقرار المنطقة برمتها.

وفي نهاية المطاف، يتعين على السعودية ومصر أن يعملا من أجل إعادة تقييم مواقعهما وأولوياتهما، وتجنب التصعيد غير المدروس الذي قد يخدم مصالح أطراف إقليمية وتحديات دولية أكبر تتربص بالجميع.

أضيف بتاريخ :2025/09/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد