التقارير

#تقرير_خاص: السعودية والتسليح المفرط.. هل تُهدر موارد الشعب في سباق الصناعة العسكرية؟  

علي الزنادي

في ظل تزايد إنفاق السعودية على التسلح إلى أرقام تُقاس بالمليارات، يبدو أن الأولويات الوطنية تتجه نحو تعزيز القدرات العسكرية باهظة التكاليف، على حساب القطاعات الحيوية التي ترتقي بجودة حياة المواطنين. إذ تخصص المملكة لعامها الحالي أكثر من 78 مليار دولار للإنفاق العسكري، وهو مبلغ يعكس زيادة بنسبة خمسة بالمئة مقارنةً بالعام الماضي، ويعبر عن رغبة واضحة في تثبيت النفوذ الإقليمي من خلال القوة العسكرية.  

لكن، هل يكفي أن يحقق البلد سيادة وأمنًا من خلال صفقات الأسلحة وتطوير الصناعات الدفاعية؟ أم أن الأمن الحقيقي لا يُقاس بعدد الصواريخ والمدرعات، وإنما بقدرة الدولة على توفير حياة كريمة لمواطنيها؟ السؤال الأهم هنا هو حول مدى فعالية هذا الإنفاق، هل ينعكس بشكل مباشر على رفاهية المواطنين، أم أن جزءًا كبيرًا منه يُضَخ في جيوب الشركات الكبرى وشراكات الصناعة العسكرية؟  

بالنظر إلى التحول في العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، والتي تحولت من مجرد صفقات تقليدية إلى استثمارات صناعية وإنتاجية، تظهر نية السعودية في توطين صناعة الأسلحة داخليًا. لكن، رغم ذلك، تظل بعض القيود الأميركية على نقل التقنية المتقدمة عقبة أمام تطورها، وتُعَزز المملكة من خططها لزيادة الاعتماد على التعاون مع آسيا وأوروبا لتحقيق استقلالية صناعية تتجاوز 50 بالمئة بحلول 2030.  

وفي حين تغدق السعودية أموالها على التسليح، ينتقد مراقبون توجيه جزء كبير من الموازنة إلى شراء الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، مع تفويت فرصة استثمار تلك الموارد في تحسين حياة المواطنين، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والتنمية البشرية. فهل يحقق الإنفاق العسكري الضخم أمنًا حقيقيًا لشعب يعاني من تحديات اجتماعية واقتصادية جسيمة؟  

وفي ذات الوقت، يظهر أن العلاقات العميقة مع واشنطن لم تمنع فرض بعض القيود على نقل التقنية، وهو أمر يعكس مدى تعقيد العلاقة بين المصالح الأمنية للعالمين. كما أن السعي لتحقيق استقلالية صناعية عسكرية يُعد هدفًا استراتيجيًا، لكنه يحتاج إلى سنوات من الاستثمار العميق والبحث العلمي، وهو ما قد يؤدي إلى تحويل موارد ضخمة نحو صناعة غير مضمونة العوائد في الأمد القصير.  

وفي المقابل، تتواصل تصريحات الرياض حول توسعة شراكاتها الدفاعية، في محاولة لتعزيز مكانتها كمصدر رئيسي للتكنولوجيا العسكرية. إلا أن الواقع يُظهر أن الإنفاق المفرط على التسليح قد لا يُفَسِّر تعزيز الاستقرار والأمن، خاصة إذا لم يُرفق بسياسات تنموية حقيقية ترفع من مستوى المعيشة وتوفر فرص العمل.  

السؤال هنا يظل معلقًا: هل قياس نجاح الدولة في الحفاظ على أمنها يكون بعدد الصفقات والصواريخ، أم بمدى قدرتها على ضمان حياة كريمة لمواطنيها؟ إذ أن الأمن الحقيقي يتطلب توازنًا بين القوة العسكرية والتنمية الاجتماعية، وليس الاعتماد على الموارد العسكرية فقط.  

وفي النهاية، تبقى قضية الإنفاق العسكري المفرط في السعودية نقطة جدل حائرة بين حماية السيادة وتعزيز النفوذ، وبين الحاجة الملحة لتنمية شاملة ترقى بمستوى حياة الشعب. فالحكمة تكمن في توجيه الموارد بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء، وليس فقط بهدف فرض الهيمنة أو إظهار القوة أمام العالم.

أضيف بتاريخ :2025/10/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد