التكاليف السياسية لأهداف 2030
سعيد محمد بن زقر ..
لا شك أن المجتمع الغربي يعيش أحرج ظرف اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية وتبدو الصورة أكثر وضوحاً بين ضفتي الأطلسي فالخروج البريطاني من عضوية السوق الأوربية قرار مأزوم لم يكن متوقعاً على الإطلاق ويماثل شعارات مأزومة يرفعها المرشح الجمهوري دونالد ترامب وهي تدعو للانكفاء وتأجيج الكراهية ضد الأعراق والمعتقدات والمهاجرين ولا تستثني التجارة الدولية والمطالبة بحمائية أقرب للعزلة، في تجاهل لحقيقة أن أمريكا احتضنت أفواج المهاجرين وتفاخر بتكوينها من المهاجرين ، فالأفكار الموغلة في يمينيِّتها وعزلتها صدى للظرف الذي يواجه الغرب لاعجب إن وجد مساندون لها في دول موغلة في تكوينها كاليونان بحزب سيريزا والنمسا بحزبها اليميني وأسبانيا وألمانيا التي برزت فيها النازية الجديدة فضلاً عن اليمين الفرنسي، وكان للسياسات الاقتصادية التي سادت ما بعد الحرب العالمية الثانية دور أدركه اليمين وصار في كل بيئة يستدعي مخزون مآسي الحرب العالمية الثانية لينعش الذاكرة الغربية ويقول إنها ستكرر نفسها إن لم يتم الالتفات للمصالح الوطنية الضيقة والحفاظ على الموارد، فشجع كراهية الآخر كوسيلة تحقق العزلة والانكفاء ،ولا عجب إن تجاوب الإنسان البسيط لأن الحرب العالمية الثانية كانت دمارا للاقتصاد وللبنية التحتية والتصنيع ومثلها الكساد العظيم في أمريكا فقد جلب فقراً هائلاً وتشريداً وتدميراً مرعبا لدخل الفرد الأمريكي وألقى بآثاره على العالم كله واليوم من يذكر به يغذي رد الفعل الأمريكي والأوربي ويهيىء للقبول بفكرة ترتيب الأوراق بإعلاء المصالح الضيقة وكبح الهجرة.
فكرة ترتيب الأوراق في المملكة جاءت في وقتها إثر الانخفاض الحاد في أسعار النفط وقد ظل اقتصاد المملكة يعيش على الدخل الريعي ولهذا تفتَّح الوعي الوطني على تحديات الاعتماد على سلعة واحدة فكانت خطة 2030 تخاطب التحدي ،ولكن حين طبق الغرب أهدافاً تماثل أهداف 2030 بعد الحرب العالمية الثانية انتهج سياسات جسدت سلبياتها في رد الفعل الحالي لأنها جعلت 1% من الشعب يرتفع ثراؤه لينعكس في أرقام الناتج المحلي الإجمالي بينما في المقابل ظل 99% من الأفراد يعيش على الديون ويلامس بعضهم سقف الإفلاس والأخطر أن المواطنة ارتبطت بحجم الثروة فمن يزداد دخله فهو مواطن ناجح والعكس صحيح وجاءت فترة ريغان وتاتشر فسرَّعت وتيرة الخصخصة فتعمقت السلبيات خاصة وأن الخصخصة صارت وصفة لكل مرض اقتصادي بينما هي شعارات أيدلوجية ونيوليبرالية، لاعجب إن كان حصادها مر المذاق ومن ثمارها الأزمات المتلاحقة التي قضت على الطبقة الوسطى فضلا عن كسر شوكة المطالبات العمالية التي مهما زاد أجرها ابتلعه التضخم فالخصخصة بقدرما أحدثت من خلل اقتصادي جعلت الميزان يميل لصالح قطاع خاص يخدم شريحة ضيقة من الأثرياء ملاك الثروات وترتب على ذلك تكاليف سياسية وردة فعل نعايشها اليوم في أنحاء العالم الغربي.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2016/07/18