الطيران الاقتصادي والنمو السريع
عبدالله الشهراني ..
استيقظت شركات الطيران عام 1971 على انطلاقة شركة طيران تدعى (ساوث ويست) تشغل رحلاتها بتكلفة منخفضة وتصدر تذاكر بأسعار خارج إطار المنافسة، معلنة عن ولادة جيل جديد من شركات الطيران يسمى (شركات الطيران منخفضة التكلفة) أو (الطيران الاقتصادي).
لقد أثبت هذا الجيل الجديد مدى نجاحه وتفوقه على شركات الطيران التقليدية وخاصة في العقد الأخير، إذ نرى بعض شركات الطيران التقليدية تتكبد الخسائر أو انخفاضا في نسب الأرباح السنوية، في المقابل يحقق الطيران الاقتصادي نموا في الأرباح، حيث يشكل صافي الدخل نسبة كبيرة من العائدات.
ففي 2015 حققت ساوث ويست عوائد سنوية بقيمة 19.82 مليار دولار وصافي دخل ربح 2.18 مليار دولار، في المقابل حصلت دلتا الأمريكية على عوائد سنوية بقيمة 40.7 مليار دولار وصافي ربح 929 مليون دولار. وفي بريطانيا حققت إيزي جت عوائد 4.7 مليارات جنيه استرليني وصافي ربح 548 مليون جنيه استرليني، مقابل عوائد 11.3 مليار جنيه استرليني وصافي ربح 975 مليون جنيه استرليني لشركة الخطوط البريطانية.
تمكنت أيضا شركات الطيران منخفضة التكلفة من التوسع في التشغيل والاعتماد على مبدأ (بع أكثر واربح أكثر)، مستحوذة بذلك على حصة جيدة في سوق الطيران الجوي، ففي أوروبا تستحوذ شركات الطيران الاقتصادية على حصة تقدر بـ 31% من سوق الطيران، وفي آسيا 32%، وأمريكا 41% أما في الشرق الأوسط فلا يزال السوق جديدا والحصة السوقية منخفضة مقارنة ببقية المناطق إذ تقدر بـ 18%.
ومن المؤشرات التي تدل أيضا على تفوق شركات الطيران الاقتصادي هي نسبة متوسط إشغال المقاعد، والتي تقدر بـ 77.8% مقابل 74.2% للشركات التقليدية، ونسبة الالتزام بالمواعيد يقدر متوسطها بـ 79.2% مقابل 77.6%.
شركات الطيران منخفضة التكلفة أصبحت تمارس ضغوطا قوية ومنافسة مجهدة لشركات الطيران التقليدية، وخاصة في أسعار التذاكر والتي أصبحت العامل الأول الجاذب لأغلب المسافرين في العالم، حيث تعتبر تكلفة التشغيل لهذه الشركات العنصر الأساسي الذي أسهم في تقديم أسعار منافسة جدا.
هذه التكلفة المنخفضة في التشغيل كانت نتيجة خطط واستراتيجيات اعتمدت عليها شركات الطيران الاقتصادية يمكن سردها على النحو التالي:
- ربط المحطات المتوسطة والصغيرة برحلات مباشرة، بدلا من التوقف في المحطات الكبيرة كما تفعل بعض الشركات التقليدية وهذا العامل يسهم في خفض التكلفة ويقلل من ساعات السفر بالنسبة للركاب.
- نوع واحد من الطائرات والمقاعد، وهذا العامل يوفر مبالغ كبيرة بالنسبة للصيانة وقطع الغيار وعدد الملاحين.
- استخدام المطارات الثانوية بدلا من الأساسية، كمطار أورلي بدلا من تشارلي دي قول في باريس، ومطار آل مكتوم بدلا من مطار دبي في إمارة دبي، ومطار جاتويك بدلا من هيثرو في لندن، حيث تقدم هذه المطارات خدماتها بسعر أقل وتمتاز بعدم كثافة المسافرين والرحلات مقارنة بالمطارات الأساسية.
- التركيز والاعتماد على التقنية، في حجز وشراء التذاكر وإصدار بطاقة صعود الطائرة إلى تسليم الحقائب، مما يوفر على الشركة إنشاء مكاتب مبيعات ومركز اتصال والحد قدر المستطاع من عدد الكاونترات داخل المطار. علما بأن بعض الشركات تفرض رسوما على هذه الخدمات تشجيعا للمسافرين على استخدام التقنية.
- شراء أو استئجار طائرات جديدة.. وأجد أن هذا العامل مهم جدا في التوفير إذ يسهم في تقليل أكبر المصروفات (الصيانة واستهلاك الوقود). حيث يقدر متوسط عمر طائرات العربية لطيران 3 سنوات واير آسيا 5.6، وراين اير 4.9، وايزي جت 6.6، وإندي قو 4.7، ومتوسط عالمي في 2013م يقدر بـ 5.1 سنوات.
- سرعة إعداد الرحلة، إذ سجلت بعض تلك الشركات زمنا قصيرا جدا يصل إلى أقل من 25 دقيقة بين الرحلة والأخرى، نتج عن ذلك توفير في رسوم المطارات وزيادة في عدد الرحلات وساعات الطيران، حيث إن متوسط ساعات تشغيل الطائرة 11.3 ساعة مقابل 9.06 ساعات للشركة التقليدية.
- موظفون بعدة مهام، بهذه الطريقة يمكن تقليص عدد كبير من الوظائف عن طريق دمج المهام وإسنادها لعدد قليل من الموظفين، لذلك قامت الشركات بصرف بدلات ومميزات تعويضية ومكافآت سنوية شجعت الموظفين على قبول تلك المهام. إضافة إلى ميزة وجدها الملاحين في بعض شركات الطيران الاقتصادية وهي السفر إلى محطات قريبة تضمن عدم البعد عن العائلة والمنزل.
- رحلات خارج أوقات الذروة، ينتج عنها رسوم أقل من قبل المطارات.
كل تلك العوامل وغيرها أسهمت في خفض التكلفة، إذ تم تقدير متوسط تكلفة المقعد لكل كيلو متر في عام 2013 0.37 دولار للطيران الاقتصادي مقابل 0.49 دولار للتقليدي.
باختصار.. تكلفة أقل، ساعات طيران أكثر، تشغيل بسرعة وكفاءة عالية، وأغلبية مسافرين يهمهم في المقام الأول سعر التذكرة، هذا هو سر نجاح الطيران الاقتصادي.
عالميا.. أتوقع أن أغلب شركات الطيران سوف تكون مجبرة على محاكاة طريقة التشغيل الخاصة بالطيران الاقتصادي، لكي تحافظ على حصصها السوقية، أو ابتكار أساليب جديدة للحد من ارتفاع التكاليف تضمن للشركة البقاء والاستدامة.
في الشرق الأوسط.. ما زال سوق الطيران بالنسبة للشركات منخفضة التكلفة يافعا لكنه في نمو، فهناك شركات جديدة بدأت الدخول في السوق وأخرى في الطريق. وهذا النمو المتسارع يدق ناقوس الخطر للشركات التقليدية، فمن الضروري أخذ العظة والعبرة من التجربة الأمريكية الأوروبية وكذلك الآسيوية، والبدء في إعادة هيكلة منظومة التشغيل من ناحيتي السرعة والتكلفة، والسعي في ابتكار منتجات جديدة تضمن التفرد، بدلا من التمعن والنظر في مزايا الموظفين ومحاولة التوفير من خلالها.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/08/18