دول الخليج... إلى أين؟
قاسم حسين ..
في ندوته الأخيرة بجمعية «وعد»، عن «مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي في خضم الصراعات الدولية»، قال الدكتور علي فخرو إننا نتكلم ونتحدث، ونشخّص ونحلّل، ولكن لا يسمعنا أحد، وبالتالي لا شيء يتغيّر.
لكن عدم الاستماع للأصوات الحريصة على مستقبل الوطن، لا يعني أن تركن إلى الصمت، «خصوصاً أننا أمام بيئة إقليمية شديدة الحركية، محلياً ودولياً، والتي تحتوي على الكثير من الأسرار وتعبث فيها المخابرات، وليس فيها أية معايير أخلاقية». فمن كان يتوقع - كما قال - ظهور قوة «إسلامية» متطرفة مثل «داعش» لتحتل أجزاء كبيرة من سورية والعراق؟ ومن كان يتوقع أن تعود روسيا إلى المسرح الدولي لتمارس دورها؟ أو تصبح منطقتنا أكثر المناطق العربية غزلاً لـ «إسرائيل»؛ أو يتم توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأميركي مما قوّى دور إيران في المنطقة.
ثم من كان يتصوّر أن تصبح مصر كسيحةً في النظام الإقليمي؛ أو تصبح أميركا عاجزةً عن حل الإشكالات المتفجرة في المنطقة، من أفغانستان وباكستان إلى سورية والعراق وليبيا... ثم من كان يتوقع أن تصبح أسعار النفط بهذا المستوى المفجع، لتهبط من 120 إلى 40 دولاراً للبرميل. وكل هذه التغيرات تؤكد الحالة الشديدة الحركية التي يعيشها العالم والمنطقة، والتي من الصعب التنبؤ بما سيحدث، حتى في اليوم والليلة الواحدة.
العامل الأكبر الذي سيؤثر على حياتنا هو النفط، فبينما كان هناك فائض كبير يقدّر بـ 2.5 تريليون دولار، كمدخرات في الصناديق السيادية، بدأ يتآكل مؤخراً، وأصبح هناك عجز بمليارات الدولارات الآن، ما سيؤثر على جذب الاستثمارات الأجنبية. أما خطط 2030، التي تكلّمت عنها دول الخليج، فأصبحت اليوم متعثرةً.
الوزير السابق فخرو، تحدّث عن ازدياد البطالة بين المواطنين، بسبب السياسات التي ركّزت على العمالة الأجنبية الرخيصة، رغم تحذيرات الباحثين منذ الثمانينات، لما تمثّله من كارثة اجتماعية مستقبلاً. والمشكلة تزداد بينما تتقلص العمالة الوطنية والعربية، بما يهدّد هوية المنطقة. وذكّر فخرو بما كانوا يحذّرون منه قبل سنوات طويلة، «من مجيء يومٍ ترابط فيه أساطيل آسيوية، قبالة الموانئ الخليجية، لتفرض إرادتها بالقوة، وتنتزع حقوق عمّالها الذين بنوا هذه الدول».
إشارةٌ أخرى في هذه القراءة الحزينة للواقع، انهيار الدولة الريعية، ومعها انهيار دولة الرعاية، في خطٍ موازٍ مع الهرولة نحو الخصخصة، بالذات في مجالي التعليم والصحة. لقد تنازلت الدولة أمام موجة الليبرالية المتوحشة وشروطها، لوجود اعتقادٍ بأن القطاع العام عبء على الدولة يجب التخلص منه!
في سياق تقييمه لمجلس التعاون، من موقعه الرسمي السابق وزيراً ثم سفيراً، يحذّر فخرو من بداية تفكّك التنظيم الخليجي، حيث لم يستطع مجلس التعاون أن يدخل مرحلة التنفيذ، وكان يُفترض وجود مجلس لرؤساء الوزارات، لأنهم هم من يتولون تنفيذ سياسات القادة، لكن هذه الخطوة لم تُنجز، فتظل قرارات القمم دون تنفيذ.
داخلياً، «تراجعُ السياسة في دول الخليج وصعودُ القبضة الأمنية، ويعود ذلك جزئياً لحالة عدم الاستقرار والربيع العربي، وعموماً عدم الاستقرار معضلةٌ تاريخيةٌ بدول الخليج». ثم هناك مشكلة «الطأفنة»، وهي «ليست موضوعاً صغيراً، أو حكومات ومماحكات، على تويتر وفيسبوك، بل إنها تُضعف المجتمع المدني، ولا توجد دولة عربية ليس بها هذه الطأفنة».
إقليمياً، يرى فخرو وجود تخبّط في السياسة الخارجية، سواءً تجاه إيران أو أميركا أو «إسرائيل»، فضلاً عن الصراعات الداخلية بين العرب، حيث يتحيّر المرء من التدخّل في الصراعات بالدول الأخرى، من العراق إلى سورية واليمن وليبيا والسودان، وهو ما يُضعف مجلس التعاون والنظام الإقليمي العربي برمته، حيث تسببت في إخراج دولةٍ مؤسس بالجامعة العربية كسورية، فقدّمت بذلك أمثولة يمكن أن تتكرّر مع دول أخرى مستقبلاً.
إشكال آخر أشار إليه فخرو، وهو دخول اللعبة الإسرائيلية الشيطانية، حيث زارت شخصيات من منطقتنا الكيان، بحجة أن «ليس لنا دخل»، و «نحن نفهم وجود خلافات مع إيران لأن لها أخطاءها، لكن أن يقال بأن الصراع معها يتقدم على الصراع مع إسرائيل، فذلك حلمٌ لم يكن يصدّقه أحد».
أخيراً، ذكّر فخرو بالموضوع الأكثر إيلاماً هذه الأيام: ضياع فرص التنمية، فكان المفروض أن يكون بالمجلس أفضل الجامعات مثل هارفارد؛ وأفضل المستشفيات، لكن ما يزال المواطن الخليجي يلتمس العلاج في الخارج؛ وأفضل المؤسسات التي تتعامل مع صناعة النفط، إنتاجاً وتكريراً، وتسويقاً وتصديراً، وكان ذلك حلماً... ومايزال بعيد المنال.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/02