مراجعات موسم عاشوراء
قاسم حسين ..
قبل أن يختتم موسم عاشوراء هذا العام، تفجّر نقاشٌ واسعٌ حول الممارسات والعادات الدخيلة على الشعائر الدينية، في عدد من بلدان العالم الإسلامي.
أكثر هذه الممارسات التي يكثر الجدل حولها، لم تكن وليدة العقود الأخيرة، وإنّما ترجع تاريخياً إلى فترةٍ تتراوح ما بين قرنين وثلاثة قرون فقط، وليس إلى عهود أئمة أهل البيت النبوي الشريف. وقد تهيّأ لها من الباحثين الإسلاميين من أبناء البيت الشيعي نفسه، من كشفوا أصولها وكيف تسلّلت من مسيحيي أرمينيا وجورجيا إلى إيران، أو من الهند، ومنها انتقلت إلى العراق وغيرها، بعد أن لاقت استحساناً في تلك المجتمعات، حتى أصبحت جزءاً من الممارسات المألوفة، وكان للسياسة دور في إقحامها في الدين. وقد تصدّى لها بعض كبار المراجع والعلماء بالنقد والتقويم في القرن العشرين، واصطدموا بالشارع، ونالهم بذلك الكثير من الأذى، ولعل أبرزهم المرجع الديني والمصلح الكبير السيد محسن الأمين رحمه الله، الذي تعرّض للتشهير والتكفير.
في الأعوام الماضية، كان يتم طرح الموضوع على استحياء، وبصوت خفيض، إلا أن العام الجاري شهد تصعيداً في الخطاب من جانب أحد أكبر المنابر في لبنان، ما يدلّ على أن الكأس قد امتلأ وفاض. ونحن في البحرين، باعتبارنا ساحةً إسلاميةً صغيرةً، أكثر ميلاً للتقليد وتبنّي مواقف الآخرين، بدأت السجالات على النسق الخارجي ذاته، حيث لم ينتهِ الجدل العقيم، إلا بمقولة: لمحمد دينه ولعيسى دينه، باعتبارها أقصر وأسهل طريقة للهروب من مواجهة المشكلات والتحديات الضخمة التي تواجه مختلف المذاهب الإسلامية، وتهز أركانها هزاً عنيفاً، حيث نشهد عن قرب، زيادة موجة الإلحاد والتهتك بين الشباب في عدد من البلدان الإسلامية ذات الأنظمة المحافظة.
إن الحل الذي لجأ إليه القوم بأن لكلٍّ مرجعه، وهو حرّ في تصرفه، هو أقرب طريقة للهروب من الواقع، ومواجهة الحقيقة. فاستنجاد كل طرف بالفتوى «الشرعية»، لا يحل المشكلة أو يدل على تفهم حقائق المرحلة، وخصوصاً أن الفتوى تتأرجّح بين النقيضين: الإباحة والتحريم، والاستحباب والكراهية، ما يدل على عدم وجود يقين.
إن معالجة الموضوع بمزيدٍ من الاستفتاءات لن يزيد الأمر إلا تعقيداً. فالحوار يجب ألا يتمحور فقط حول الفقه، ليبرّئ كل شخص ذمته، بل لينتقل إلى أفق أكبر، حيث الشعور بالمسئولية تجاه الدين ومصير العقيدة في هذا الزمان. فما يطرح من انتقادات لهذه الممارسات المثيرة للجدل، يشمله عنوان كبير: تشويه مدرسة أهل البيت، التي يجادل أتباعها بأنها من أعرق المدارس الفقهية في تاريخ المسلمين.
حتى السبعينيات، كانت هذه المدرسة تتباهى على شقيقاتها المدارس الإسلامية الأخرى، بأنها المدرسة الفقهية التي لم تغلق باب الاجتهاد، بينما سُدّ باب الاجتهاد في المدارس الأخرى، رسمياً في بغداد قبل أكثر من ألف عام. هذه المدرسة اليوم تواجه تحدياً داخلياً، مع غياب المراجع الكبار، وزيادة دور الخطباء وتأثيرهم العام، خلال العقدين الأخيرين، بعد انتشار الفضائيات الدينية، التي تعيد بث المجالس الوعظية والحسينية طوال العام.
من هذه الممارسات محل الانتقاد الشديد اليوم، والتي تسهم في تشويه هذا المذهب الإسلامي العريق، التطبير، وجلد الجسم بالآلات الحادة، وتلطيخ الجسم بالطين، والزحف على الأرض كالحيوانات، وما شابه من مظاهر تصطدم بمفهوم الكرامة الإنسانية، والمفهوم القرآني «ولقد كرّمنا بني آدم». وهو تحدٍ يواجه عالم التشيّع ويتطلب الإصلاح، حيث يتعرض لمحاولة اختطافه وتحويله إلى مذهب يقوم على الخرافات والممارسات المنفرة. فأنت لا تستطيع أن تدافع عن أبٍ يشق رأس رضيعه البالغ ثلاثة أشهر بسكين، ما قد يتسبّب في نزيفٍ يودي بحياته، أو ضرب رؤوس الأطفال الصغار بالسيف بدعوى «مواساة أهل البيت».
لكي تكتشف فظاعة ما ترتكبه أحياناً، من أعمال، حاول النظر بعيون الآخرين: لو شاهدتَ مسيحياً في الأكوادور، أو هندوسياً في مومبي، أو بوذياً في الصين، يشق رأس طفله بسكين باسم فداء بوذا أو المسيح، هل ستنجذب إلى دينه؟ أم ستنفر منه أشد النفور؟
حكّموا عقولكم، وضعوا سمعة دينكم ونبيكم أمامكم، فأنتم في عصر الفضائيات، التي هتكت كل الحجب وأسقطت كل الأستار.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/16